الاتفاق النووي جثة لا تموت
2022-06-03 06:56:06
من الصعب تخيل سيناريوهات لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، وكلما مضى وقت اضافي، تزداد القناعة باستحالة العودة اليه من دون تعديلات. هذا صحيح بالمبدأ، ذاك أن في الاتفاق شروطاً زمنية لم تعد منطقية في ظل عدم الالتزام الأميركي والإيراني ببنوده. كم يحتفظ الاتفاق بجدواه بعد رفع الحظر الأممي عن التجارب الصاروخية الباليستية الإيرانية العام المقبل كما ينص أحد البنود؟ وكذلك في العام التالي، حين يُسمح لإيران بمعاودة استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتطويرها؟
بكلام آخر، هناك وجهة نظر أميركية تقول إن لا جدوى من العودة الى اتفاق ستنتهي صلاحيته قريباً، مقابل رفع العقوبات عن إيران.
لكن السؤال الأساسي هنا هو لماذا لم تُعلن واشنطن رسمياً انتهاء المفاوضات، وما زالت تترك الباب مفتوحاً أمام العودة اليه؟
الإجابة هي "لا بدائل" عن العودة للاتفاق، سوى الحل العسكري طبعاً. وكما كتبت مجلة "إيكونومست" البريطانية في عددها هذا الأسبوع، أن الولايات المتحدة لا يُمكنها مواجهة ثلاث أزمات نووية متزامنة مع كوريا الشمالية وروسيا وايران، مثل هذا السيناريو كارثي على مستوى الأمن الدولي.
ولو دققنا قليلاً بما يحصل مع كوريا الشمالية، فإنها أجرت قبل ثلاثة شهور بنجاح اختباراً لأجزاء من صاروخ جديد عابر للقارات (هواسنغ 17). في حال صحت قدرة هذا الصاروخ، وفقاً لخبراء دوليين منهم أنكيتا باندا من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. الأخير يتحدث عن استعدادات لاختبارات نووية تحت الأرض في كوريا الشمالية، غرضها طبعاً ليس الأسلحة التقليدية بل التكتيكية، أي السلاح النووي المحدود جغرافياً.
في حال نجاح كوريا الشمالية بهذه الجهود، ستكون قادرة على ضرب أي نقطة على الأراضي الأميركية بأسلحة نووية، وهذا تقدم مقلق وجديد بالنسبة للجانب الأميركي.
يُضاف الى هذا الواقع، التهديد الروسي المتصاعد باستخدام أسلحة نووية في حرب أوكرانيا. حتى في حال عدم اللجوء الى استخدام السلاح النووي التكتيكي، فإن صداع تأمين المفاعلات النووية الأوكرانية كاف وحده، علاوة على انعكاسات التهديدات الروسية على الانتشار النووي دولياً، مع برامج ناشئة في أكثر من مكان، وأخرى تزداد اتساعاً. اليوم، باكستان تزيد عدد أسلحتها النووية، في حين تعمل الصين جاهدة على زيادة عدد الرؤوس النووية، وكذلك تطوير أسلحة الدمار الشامل لديها، وهذا يشمل التكتيكية منها بحسب تقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
في ظل هذه الأزمات المتنوعةـ، كيف تُقارب الولايات المتحدة البرنامج النووي الإيراني؟ الرد الأولي هو أن العودة للاتفاق ما زالت، ليس فقط الخيار الأنسب، بل الوحيد أمام الإدارة، رغم صعوبته وربما استحالته كما صرح المبعوث الأميركي الخاص الى ايران روبرت مالي.
من الصعب على الإدارة الأميركية القبول بالشرط الإيراني القاضي برفع العقوبات عن "الحرس الثوري الإيراني". لكن الآن، ووفقاً لصحيفة "ذي جيروزالم بوست" الإسرائيلية، هناك اقتراح من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال هولاتا لنظيره الأميركي جايك سوليفان يقضي بحذف البنود ذات المهلة الزمنية المرتبطة باجهزة الطرد المركزي المتطورة، في مقابل رفع العقوبات. بيد أن الدعم الإسرائيلي في هذه القضية، يفتح باباً أمام حلول داخلية أميركية، في ظل رفض لقسم من الديموقراطيين والجمهوريين بكليتهم جهود الإدارة الحالية لاعادة احياء الاتفاق النووي. أساس وجهة النظر الإسرائيلية أن الاحتجاجات الأخيرة في ايران أظهرت ثغرات في صمود النظام "وهو أضعف مما يُعتقد"، وبالتالي هناك فرصة لفتح كوة في الجدار وتعديل الاتفاق الحالي ليصير ليس فقط مقبولاً أميركياً، بل اسرائيلياً وربما عربياً كذلك.
طبعاً، هذه محاولات في مسار يبدو طويلاً في هذه اللحظة. ومن الصعب استبعاد العنف مباشرة أو عبر الوكلاء، كونه يبقى مفيداً كوسيلة تفاوض أو ضغط لدفع الطرف المقابل للتنازل. إنها لعبة عض أصابع لا بد أن تسيل منها الدماء، وليس بالضرورة أن تكون إيرانية أو أميركية.
وكالات