أعطت الجلسة الأولى لمجلس النواب إنطباعا، بأن السنّة في لبنان هم الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، حيث غاب أي تأثير للطائفة ″الأمة″ في إنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة المكتب، بينما حازت الطوائف والمذاهب الأخرى على الوهج السياسي الذي إنعكس تأثيرا على مجريات الانتخابات والتصويت للمعنيين بها، إنطلاقا من التكتلات النيابية العائدة لها، ولم ينسحب ذلك على السنّة الذين فازوا في الانتخابات فرادى ومن لوائح مختلفة من دون أي إطار يمكن أن يجمعهم أو يعطيهم حجما أو ثقلا سياسيا في مجلس النواب.
وبالرغم من ذلك، لا يوجد في الأفق أي إشارة عن إمكانية حصول تفاهمات سنية قد تترجم بتكتل وازن، خصوصا في ظل التشظي غير المسبوق لنواب الطائفة الذين يصنفون إما في خانة المستقلين، أو الملحقين بتكتلات نيابية كبرى، أما الميثاقية التي إعتاد السنة على إمتلاكها فأصبحت من الماضي.
وكما كان متوقعا بعد الاطلاع على النتائج التي أفرزتها الانتخابات، فإن الحضور السني في مجلس النواب في جلسته الأولى كان باهتا ومن دون قرار أو تأثير، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك في الجلسات المقبلة التي قد تشهد خلافات جوهرية بين التكتلات النيابية مزيدا من التهميش الذي قد يبلغ ذروته في حال وصول رئيس حكومة ضعيف لا يستند الى كتلة ولا لديه الحضور السياسي الفاعل، ما سينعكس مزيدا من الاحباط على المجتمع السني المحاصر بالأزمات المختلفة وفي مقدمتها الفقر والبطالة.
حتى الآن، يبدو أن أكبر كتلة يمكن أن تشكل من النواب السنّة، قد لا تتعدى النائبين كما هو حاصل في كتلة جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية التي تضم النائبين طه ناجي وعدنان طرابلسي، وربما يجتمع النائبان جهاد الصمد وحسن مراد في كتلة مماثلة، حتى أن النواب التغييرين من السنة بدا قرارهم لدى النائبة بولا يعقوبيان التي حاولت أن تلعب دور الوصي على كل نواب الثورة خلال الجلسة النيابية، ما يعني أن الطائفة السنية سيكون نوابها مجرد ودائع في التكتلات النيابية، ما يشكل غيابا للطائفة عن القرار السياسي.
لا شك في أن هذا الشعور بالضعف لدى الطائفة السنية قد يؤسس لمأزق وطني كبير جدا لن يكون في مصلحة أحد وقد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، إنطلاقا من تاريخ لبنان الطويل الذي يؤكد بأن الانتظام السياسي لا يستقيم طالما أن هناك مكونات لبنانية أساسية تشعر بالغبن أو بالظلم.
لذلك، فإن كل الأنظار تتجه اليوم الى رئاسة الحكومة والى تكليف رئيس قوي لديه الحضور السياسي الوازن وغير تابع لأي محور أو تكتل والذي من شأنه أن يعوض ولو مرحليا التفكك السني في مجلس النواب..
ولا شك في أن الرئيس نجيب ميقاتي ما يزال يشكل الخيار الأنسب للحكومة المقبلة، إنطلاقا من حضوره السياسي الوازن طرابلسيا ووطنيا وعلاقاته الممتازة عربيا ودوليا، وآدائه الثابت والرصين في الحكومة الحالية التي أنجز ما إلتزم به بيانها الوزاري لا سيما إجراء الانتخابات النيابية في أصعب الظروف التي يمكن أن يشهدها لبنان، فضلا عن قدرته على إستكمال مسيرة الانقاذ كونه يُمسك ملفاته بشكل جيد، كما بات على دراية كاملة بكل تفاصيل التفاوض مع صندوق النقد الدولي وكل ما يتعلق بالمودعين والكهرباء وخطة التعافي وسائر البنود التي تقود نحو الانقاذ.
لا يحتمل الواقع السني في لبنان بعد مشهد مجلس النواب رئيس حكومة ضعيف أو مقطوع من شجرة سياسية ما يجعله عرضة للابتزاز والاملاءات وفرض الشروط المسبقة، لأن ذلك من شأنه أن يكمل دائرة التهميش، وأن يترك الساحة السنية مفتوحة على كل الاحتمالات التي قد يكون أحلاها مرّ.