2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo كيف حدّدت إسرائيل موقع الشهيد السيد نصر الله؟ logo بالفيديو: غارة عنيفة على الشويفات logo اغتيال نصرالله يفتح الباب لتوغل إسرائيلي في لبنان.. خطة نتنياهو تتسارع logo بايدن: حان الوقت لوقف إطلاق النار في لبنان logo حسن نصرالله... قائد المقاومة لثلاثة عقود logo تنياهو ينفذ "ضربته الأقوى"... نظام إقليمي جديد عنوانه إسرائيل logo تاريخ حزب الله وأمنائه العامين: من التأسيس إلى اغتيال نصرالله logo خطة نتنياهو المعقدة: كيف تم الإيقاع بنصرالله في عملية سرية!
"نشتري كل شيء": عدّادات المياه والفراغ وعمارات من ورق
2022-04-02 12:56:18

في لحظة ما في مطلع الألفية، أخذت رواية المبنى السكني مكان رواية القرية وسرديات الحي الشعبي الجيلية، كقالب رمزي للسردية الاجتماعية في مصر. كان ذلك الإحلال مرهوناً بتغيرات جذرية في شكل العمران الحضري والعلاقات الاجتماعية داخله ومن خلاله، ومتأثراً بتراكم سينمائي وتلفزيوني طويل وثري في تنويعاته. فمنذ نهاية السبعينات، أضحت "الشقة" عقدة حبكات سرديات الحب والحراك الطبقي وانسداد الأفق السياسي، و"سكان العمارة" ممثلي دراما تلفزيونية تتأرجح بين الجد والهزل للتعليق على العام بشكل ضمني. أما قطعة الأرض الموروثة والفيلا التاريخية المعرضة للهدم، فكانا محورَي عدد أقل من الأعمال للتعبير عن شعور متنامٍ بالقلق، مع صعود آليات جديدة وأكثر قوة للسوق.
يقدم كتاب "نشتري كل شيء"، تحرير يحيى شوكت وشهاب إسماعيل، تحليلاً لتغيرات العمران والسكن في مصر منذ القرن التاسع عشر. في ثمانية فصول لثماني باحثين وباحثات في حقول معرفية مختلفة، تتراوح بين القانون والتاريخ والأنثروبولوجيا والعمارة، ينظر الكتاب في عمليات تسليع المياه والفراغ العام والسكن، وتأثيراتها المتبادلة مع العقود الاجتماعية والتبدلات الاقتصادية والاجتماعية في مصر. في ذلك السياق، لا تتعامل مساهمات الكتاب مع الشقة والفراغ والبناية السكنية بوصفها رمزاً بلاغياً أو كناية عن العام، بل نقطة التقاء حقيقة لتقاطعات القانوني والسياسي والطبقي والاجتماعي والجيلي، نقطة تصنعها كل تلك القوى، وفي الوقت نفسه تؤثر فيها وتصيغ علاقاتها بشكل ارتجاعي.
بالاعتماد على بنية تتشارك في الكثير من عناصرها مع قالب الرواية الجيلية، يسرد عبد الرحمن الطلياوي وخالد أدهم في فصلين منفصلين، قصة بنايتين. الأولى في حي باب الشعرية الشعبي، والثانية عمارة في مدينة المهندسين، كنموذج لعمران الطبقة المتوسطة. بين التغيرات القانونية التي جلبتها ثورة يونيو من حل الوقف الأهلي، وصعود دور الدولة الاجتماعي في توفير السكن كخدمة، ومن ثم تخليها عنه لاحقاً لصالح تسليع العمران، يرسم الفصلان صوراً لعمارات من ورق. بمعنى أن المحتوى فيهما مؤسس على الوثائق وأوراق القضايا والوقف والتسجيلات القانونية والعقود والخطابات والشهادات الشخصية. تلعب قصص الزيجات والولادة والبيع والشراء والهجرة والهدم والبناء ومخططات النسب العائلي، أدواراً مهمة لاستكمال سيرتَي المبنيَين، وبالقدر نفسه تكشف عن التغيرات في "العقد الاجتماعي" و"العقد العائلي" وتقاطعاتهما.
وفي ما يخص الموارد الأخرى، يخصص شهاب فخري فصلاً لعملية تأسيس شبكات المياه ومن بعدها الصرف في مدينة القاهرة في القرن التاسع عشر. تقاطع الحداثة التقنية مع الاستعمار لا يقود فقط إلى عملية تسليع المشاع، بل إلى تغيرات جذرية، فيقضي على طائفة مثل السُّقاة(جمع الساقي) بشكل تدريجي، وتتداعي معه أنظمة جماعية كالوقف والسبيل، وطرائق للتواصل والممارسات الاجتماعية في الحمامات العامة. ويركز الفصل في نهايته على عدّادات المياه التي فرضتها الشركة لاحقاً على السكان، بوصفها طريقة للاستغلال واستخلاص القيمة، وكذا أداة لخلق ندرة مصطنعة.
وفي مساهمة مرتبطة بالموضوع نفسه، تقدم دينا خليل بحثاً حول سياسات الدولة المرنة المتعلقة بحوكمة المياه في "عزبة الهجانة"، أحد الأحياء العشوائية القاهرية. وتحلل فيه الطرائق التي تتفاعل فيه مؤسسات الدولة المختلفة مع المواطنين "غير الشرعيين" في المنطقة الرمادية بين الرسمية واللارسمية وبين العام والخاص، ووسائل التوظيف السياسي، لتحويل أفراد المجتمع إلى زبائن. ولاحقاً، وففي فصل منفصل، تقدم أمنية خليل دراسة عن وكالة البلح، لتتتبع الأفراد الواقعين في إطار اللارسمية في مجال السكن والعمل، ومن ثم تحلل عمليات تسليع العنف، الذي يوظف من أجل تخصيص أماكن العمل في الأسواق وحماية حدودها، بشكل غير رسمي، أي تسليع العنف كأداة من أجل الاستيلاء على الفضاء العام وتفعيل التسليع المادي.
ومن الجانب القانوني، يستعرض يحيى شوكت، البُنية القانونية وثغراتها التي تجعل ملكية السكن حقاً غير محسوم في مصر، في سياق "لارسمية مصطنعة" تجعل من المشتري دائماً الطرف الأضعف في علاقته مع البائع، وكذا أمام الدولة التي توظف تلك المساحات الغامضة لاستغلال المواطنين أو سلبهم حقوقهم.
وانطلاقاً من كون المساكن الشاغرة هي أوضح آثار التسليع، يرسم إبراهيم عبده، مخططاً لدورات التربح والتشييد في واحدة من المدن الجديدة، هي مدينة بدر، وعلاقة سرعة تلك الدورات ببطء عمليات اشغال المدنية. فتلك العلاقات العكسية يمكن لها أن تحدث في سياق يصبح فيه العقار وعاءً استثمارياً، بينما استخداماته الفعلية مجرد مسألة ثانوية أو عرض جانبي.وفي فصل وثيق الصلة بسياسات النظام الحالي في ما يخص الفراغ العام، يطرح أحمد زعزع قراءة في التآكل المتواصل في مساحة الفضاء العام، بسبب المقاربة الاستثمارية الطاغية على إدراك حدود الخاص والعام. ومن ذلك المنظور، يتتبع الكيفية التي يتحول بها المورد الجمعي والأرضية المشتركة للمجتمع، المتمثلة في الأرصفة والحدائق العامة، إلى وعاء استثماري آخر، لتتم إزاحة أصحاب الدخول الأدنى من فضاءات المدينة وإحلالهم بأنشطة ربحية واستهلاك السلع والخدمات. في هذا أيضاً، تترافق عملية التسليع مع إنتاج ندرة مصطنعة تحاصر ما تبقى من الفضاء العمومي.يغطي "نشتري كل شيء" الكثير من الموضوعات، عبر زوايا شديدة التنوع، ولا تكفي فصوله المكثفة والموجزة للإلمام بكافة التفاصيل، إلا أنها تنجح بلا شك في التحفيز على النظر إلى كل الموضوعات التي يناقشها: السكن والأسواق وشبكات مياه الشرب والعمران المديني وفراغاته، في علاقتها بالتسليع، وهو ما يتضح، فصلاً بعد آخر، بأنه ليس مجرد عملية للتربّح، بل آلية لإنتاج الندرة واللارسمية والأزمات عبر دورات من التسليع الكثيف والمتسارع، ينتهي بانفجارات الفقاعات العقارية، والتي سرعان ما تعيد دورتها مرة أخرى.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top