أهي محض مصادفة أن يتزامن إعلان رئيس المجلس السّياسيّ في حزب الله، إبراهيم أمين السّيد، اعتبار الانتخابات فرصة عبادة، والتصويت كالصلاة في المساجد، مع حفل "تكليف" فتيات بلغن سن الحجاب في مدرسة المهدي-شمسطار؟ لكن ليس بمستغرب أن يعمل حزب الله- بغض النظر عن فائض القوّة والسّلاح- ويوجه ويستقطب خلف الكواليس وعلى المنابر ويمرر أجنداته السّياسيّة بروحيّة عقائدية/دينية.نساء جمال الموت"مهدويات/زينبيات/أخوات".. هذه بعض من أسماء نساء حزب الله، المقصيات عن البرلمان منذ دخول الحزب معترك السياسة. وهن كن من المداميك المؤسسة والمحافظة على الحصانة المنيعة للحزب انتخابيًا، بكونهن أولًا جيش اجتماعي يردع ويحمي وينشر إيديولوجيا التّشييع الإثني عشري، وثانيًا عنصر تجميلي للموت والفقر والعوز بعباءة سوداء وتضحيات وقرابين "فداءً لنصرالله والمقاومة".
"أذكر جيدًا توجهي إلى صندوق الاقتراع في الانتخابات السّابقة (2018). لا يزال يتردد صوت خطيب مسجد الضيعة في عقلي، قبل يوم من موعد الانتخابات: تكليف شرعي لمناصري حزب الله. انتخبوا الصوت التفضيلي لوليد سكرية. شطبت أسماء مرشحي اللائحة إلا الوليد، مع أنّه سنيّ. لكن لا يهم فدى المقاومة". هذا ما تقوله س.ف (50 سنة) ممازحة. وهي مناصرة سابقة لحزب الله وانتخبت لائحة "كتلة الوفاء للمقاومة" في بعلبك– الهرمل في الانتخابات البرلمانية السّابقة. "لم أكن قد سمعت باسم المرشح قبل ذلك. وبعد الإعلان من المسجد مباشرةً انهالت الرسائل لمجموعات الهيئات النسائية في القرية، تدعو وتكلف الناخبين/ات بأمر شرعي، ولتحكيم الضمير أمام الله وعطاءات المقاومة التّي لا تحصى. وضربة موجعة لأميركا وإسرائيل وحلفائهما في لبنان. وهذا ما قالته بلهجتها الغريبة مسؤولة الشعبة في قريتي. وهكذا فعلت. ولا أنكر أني استفدت من إعاشة ودورة "ممهدون" وأنصار ونقليات من بيتي في الضاحية إلى القرية يومها".مكرّرون مجهولونليس جديدًا هو موضوع التكليف الشرعي للناخبين/ات. ففي معظم قرى وبلدات الثنائي الشيعي، وعشية كل انتخابات يتنطح خطباء المساجد لإعلان أسماء المرشحين من مكبرات الصوت. المرشحون لا المرشحات، والمكررين غير المعروفين أو المجهولين أحيانًا. وتعلو بعدها همهمات وتحذيرات وإرشادات للنساء: "الجنس الناعم"، "الطاهرات" و"أمهات الشهداء وأخواتهم وزوجاتهم". وهن الـ50 في المئة وأكثر من مجتمع حزب الله. ويحثن المناصرات والزينبيات (اللواتي يقمن بالدورات الدينية/العقائدية النسائية التي تندرج تحت عدّة مسميات ولعدّة فئات) والأخوات والكشفيات، على تنفيذ تكاليف الولي الفقيه، كرامةً للدماء والشرف الذي لم ينتهك بفضله.النساء حاضنة الحزب الانتخابيةجديدان تحملهما الانتخابات النيابية المقبلة لدى الطائفة الشّيعيّة: أولهما -عكس معظم الطوائف الأخرى- الشرخ الطبقي الهائل الذي أحدثه تأرجح الدولار والأزمة المالية. ففي حين أن معظم الطبقة الوسطى والفقراء في الطائفة انزلقوا مرغمين إلى هامش الفقر، انبثقت طبقة جديدة من الميسورين المنتمين إلى حزب الله. وثانيهما وضع الحزب السّياسيّ اليوم، بكونه أول داعمي "العهد القوي".
وفي ذلك تُشكل الهيئات النسائية نقطة التحول التّي استثمرها حزب الله رغم المستجدات. فلم تتلكأ نساؤه منذ بداية الأزمة عن: توزيع الحصص الغذائية. إقامة الإفطارات الرمضانية وموائد الغداء (تحت مسمى عوائل المائدة). تقديم التبرعات وتسجيل المنتسبات وغير المنتسبات لبطاقة السّجاد. تشكيل اللجان التي تستهدف الشابات والجامعيات. ومؤخرًا شكلت لجان مختصة لتعبئة طلب البطاقة التموينية (بوصفها توزع بشكل أساسي على مناصري حزب الله، حسب إحدى مسؤولات الشُعَب النسائية في الضاحية). ناهيك طبعًا عن الدورات الدينية المكثفة، والتّي تحصل فيها النساء على جوائز: مبالغ مالية وقسائم شرائية. رغم ذلك لا يمكن حصر دور نساء حزب الله أو الهيئات النسائية بلجان نسائية، تراقب وتحدد وتعرف كل ما يدور في بيئتها وفي بيوت مناصريها. فدورهن أعمق وأكثر تأصلًا. فهن المنتخبات اجتماعيًا والنخب التّي تستقطب الناخبين/ات لحزبهن.حجج مكررة وطبقة مفقرةبحجة الحرب الناعمة، والتهديد الإسرائيلي، وقتلى سوريا، لا تزال شريحة كبيرة -وإن تراجع عددها مجهريًا- مقتنعة بأن حزب الله هو الضمانة الوحيدة لهم. وفي هذا الصدد تشير م.ج. (57 سنة) -منتسبة منذ أكثر من 25 سنة ومتطوعة في المساهمة والخدمة- إلى أنها بذلت سنوات طوال وتكلفت عناء التطوع المادي والمعنوي، ولا تجد أنها أمام خيار آخر في الانتخاب: التصويت لمرشحين حاليين عن دائرتها هم من الفاسدين. وتقول: "مستعدة للعيش على الخبز الجاف كرمى لـ"الشهداء" الذين بذلوا دمائهم في سبيل الوطن" .
تحاول الهيئات النسائية بطرق واضحة استقطاب المزيد والإبقاء على الحاليين من المناصرين بالحجج التّي تقنع النساء بالتهديد والمظلومية الأزلية، وبدورات دينية استقطابية، وإعاشات وتبرعات ووعود كثيرة بالتعاقد والتفرغ المدفوع (الدولار الفريش).
ولا يزال خطاب الشّرف الذي صانه حزب الله في سوريا هو الطاغي على الموقف. عملت نساء حزب الله ولا يزلن على ترويض بيئتهن، وإقناعها بأن الحزب لا ينسى مجتمعه وأهله المفقرين بسبب سياسات دولتهم الفاسدة الذي يشكل حزب الله عمودها الفقري.