من وقت إلى آخر، يبعث الصحب برسائل تتضمن مقالات لهم أو لسواهم. بعضهم يرسل هذه المقالات من دون أن يرفقوها بتعليق منهم، كما لو أنه يوزعها علينا، إذ يدرون أننا على بينة مما يريدونه منا، أي أنهم يبغون أن نطلع عليها. لكن بعضهم الثاني لا يحذو حذوهم، انما يرسل مقالاته مع تعليق، مفاده أنها "واجبة القراءة".لطالما وجدتُ هذا التعليق مزعجاً. صحيح أن النية خلفه هي الحض على قراءة هذه المقالة أو تلك، لأنها، وبحسب مُرسليها، تحتوي على شيء لا بدّ من الاطلاع عليه، لكن هذا الحض سرعان ما يصير قريباً من الإلزام. مردّ ذلك أن أصحابه يدرجونه في سياق الوجوب، أو يساوونه به، بمعنى أنهم، ولكي يطلبوا منا قراءة المقالات، يقولون لنا بأنه يجب علينا فعل ذلك، وإلا سنبدو غير ملتزمين بما لا بد من الإقدام عليه، وتحقيقه.ترجمة الحض بهذه الطريقة، أي بطريقة الإلزام، يبدي أن مرسلي المقالات يأخذون موضع العارفين بما نحن في حاجة إلى قراءته، في حين أننا، وبحسبهم، لسنا على عِلم بما نحتاجه. وبالتالي، هم يريدون منا قراءة تلك المقالات، لكي لا نعود على هذه الحال، بل أن ننصرف منها، مرتفعين الى موضعهم. فحضّهم هو إلزام لنا بما ينفعنا، بما هو لمصلحتنا، الذي يعادل أن نكون على نحوهم. أما، وإن لم نكن ذلك، فهذا لأننا لا نقوم بفروضنا التي تعادل أن نقرأ ما هو "واجب القراءة".لكن الحض إياه، يتعدى ابداء أصحابه على ذلك الموضع، إلى كونه يبين أنه ينطوي على نظرة معينة إلى المقالات. يمكن اختصار هذه النظرة بوصفها دينية، إذ تحيل إلى يوم كان النص مقدساً لأنه مُنزل، وفي النتيجة، تكون قراءته فرضاً أو واجباً، لا مناص من الالتزام به من باب السير على سراط مستقيم تقرباً من الله وتفادياً لعقابه ورمياً إلى جنته. من هنا، يبدو الحض على قراءة المقالات على أساس أنها قراءة واجبة، أنه أيضاً دفع إلى السير على سراط ما. هذا السراط يقرّب من المعرفة، وينقل إلى موضع المتمتعين بها. أما العقاب الذي يتيح تلافيه فهو عدم التماثل معهم. في هذا المطاف، يمكن القول إن الحض بالإلزام هو حض على المُشابَهة، على تشكيل جماعة تقوم بها، إذ أن أعضاءها يتلزمون جميعهم بفرضهم إياه، أي واجب قراءة مقالة من هنا، ومقالة من هناك، لكي يصيروا نسخاً عن بعضهم البعض. التشابه هذا يجعل من عدم تحقيق واجب القراءة، إخلالاً به، وبالتالي، خرقاً للجماعة التي يشكلها، فضلاً عن كونه خروجاً على ضميرها. ربما، الاستفهام الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: ما الذي يجعل الأصحاب يستندون إلى الحض بالإلزام من أجل أن يطلبوا منا قراءة مقالات ما؟يمكن الإشارة إلى أنهم يريدون أن ينتموا إلى تلك الجماعة المؤلفة بالمشابهة، أن ينفوا كونهم ليسوا مخالفين لها، بحيث أنهم، وعلى العكس، منصهرون فيها إلى درجة تحولهم إلى ضمائرها، التي تشارك التزامها بها وتروج له من باب كونه واجباً. فِعلُهم هذا ينطوي على خوف إلزامنا بقراءة ما يجب كان عليهم أن يقرأوه هم ولكن،.....لا وجود لقراءة واجبة!