هناك ثلاث صور معبّرة عن حال المنطقة. قمة شرم الشيخ، قمة العقبة، والقمة التي تعقد اليوم الأحد في إسرائيل. فيما الردّ على كل هذه القمم جاء في استهداف جديد لأرامكو داخل المملكة العربية السعودية. ومن الواضح أن هناك محاولات لاستدراج الأميركي إلى اتخاذ موقف حاسم، إما أن يكون إلى جانب المؤتمرين في هذه القمّة، أو يكون ضدهم. وكأن هذه الصورة تشكل نوعاً من الارتباط الأمني والاقتصادي بين دول عربية- خليجية وإسرائيل. وهنا لا بد من طرح سؤال حول لبنان، فهل هو محسوب على الطرف الذي ضرب جدة والأراضي السعودية الأخرى، أم أنه يريد أن يكون على ضفة المحور الآخر، أم أنه ساحة اشتباك مستمرة وطويلة بين المحورين. ففي لبنان انقسامات متعددة في المواقف. حزب الله وحلفاؤه على ضفة، فيما يأخذ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انحيازاً للضفة الأخرى بمواقفه الواضحة تجاه العرب ودول الخليج.الاستثمار قبل السياسةصورة الشرق الأوسط التي خرجت من العقبة عمودها الفقري وعصبه الأساسي اقتصادي استثماري وأمني، ربطاً بمجالات الطاقة وأبعادها. وهي صورة جديدة تتناقض مع كل الأفكار التي حركت الشرق الأوسط منذ ما قبل جمال عبد الناصر إلى ما بعد صدام حسين. حينها كانت الصورة سياسية-عسكرية فقط. أما الآن فثمة نضوج في الجانب الاستثماري والاقتصادي.
وهذا ما يتجلى أيضاً في منتدى الدوحة، كمؤشر على حالة التقدّم في طرح الرؤى الاستراتيجية. واللافت في منتدى الدوحة كان خطاب الرئيس الأوكراني، الذي شبه ما يجري في ماريوبول بما جرى في حلب. والنقطة الثانية طلبه من دول الخليج إمداد أوروبا بالنفط والغاز لأن المعركة طويلة."العودة" الخليجيةلا يمكن وفق السياق المنطقي أن تكون العودة الخليجية إلى لبنان مرتبطة بانتشال لبنان من أزماته مع تثبيت للقواعد السياسية القائمة، والتي تكرس نفوذ حزب الله، لأن أي استثمار سيصب في صالح الحزب على حساب العرب. فالعودة هذه إنما هي خطوات استباقية كمحاولة لتغيير موازين القوى وإعادة التوازن، فيما هناك من يعتبر أن لبنان لن يكون بعيداً عن قمة العقبة، المرتبط عضوياً بها انطلاقاً من مشروع الغاز والتنقيب عن النفط، أو ابتداء من الحاجة الراهنة للغاز المصري والكهرباء الأردنية. فلبنان مدعو ليدخل إلى هذا المنتدى أيضاً من بوابة المفاوضات مع صندوق النقد، والحصول على المساعدات من الجهات المانحة والصناديق والبنوك الدولية. ويبدو أن لبنان يعجز عن الدخول إلى هذا المنتدى، بالنظر للانقسام الداخلي بين الضفتين اللتين أشرنا إليهما.
مع ذلك، لا يمكن فصل صورة بشار الأسد في الإمارات عن تلك الصور الثلاث.هجوم حزب الله المضادما يجري عربياً تجاه لبنان، هو استباق تمهيدي لخطوات تتعلق بمستقبل لبنان، لا سيما حول حزب الله، الذي سيُبحث مصير سلاحه حتماً. فهل يبقى فصيلاً مسلحاً ضمن الدولة اللبنانية على طريقة الحشد الشعبي في العراق، أم أن الغاية أبعد من ذلك، وليست أقل من "تسليم السلاح"؟ هذا أمر بحاجة إلى وقت طويل. وكل طرف إقليمي يسعى إلى تثبيت مواقعه وأهدافه. هذا العنوان الأساسي هو الذي يعزز "الطحشة" الإقليمية تجاه لبنان من خلال العودة الخليجية، فيما يقوم حزب الله بهجوم مضاد لتثبيت أقدامه أكثر وتكريس مواقع نفوذه. فيحاول نقل النقاش من حصوله على الأكثرية إلى طرح احتمالات حصوله على الثلثين في الانتخابات النيابية المقبلة. وهذا يتيح له التحكم بالاستحقاقات الأساسية، كانتخاب رئيس للجمهورية أو المطالبة بتعديل الدستور. وبالتالي، يرفع سقف المطالبة بالتغيير لتحقيق أهداف سياسية (دستورية) كبرى يريد تكريسها لاحقاً.تطويع المسيحيينيرتبط ذلك بالعمل على خلق مناخ تهويلي لدى المسيحيين، في سياق دفعهم إلى التطبيع مع الواقع القائم، وبالتالي تطويعهم سياسياً. هذا المسار الذي ينتهجه الحزب ومن خلفه الإيرانيون يمكن أن يكون له نتائج محققة في ظل أي غياب عربي أو دولي، وخصوصاً عندما يخرج حزب الله ليعلن أن الأميركيين يتخلون عن حلفائهم، ولا يحفظون لهم مصالحهم، وأن عليهم الذهاب إلى من يوفر لهم الحماية أو المصالح. وهنا تُطرح تساؤلات كثيرة في البلد حول مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، والتي يعتبرونها أنها تراجعت في حسمها، ربطاً بضخ مستمر حول الموقف الفرنسي المتفاهم مع الحزب، والساعي مع الفاتيكان إلى تطبيع العلاقات مع حزب الله، والتسليم بأنه مسلّح وأساسي في معادلة السلطة، أو من خلال الدعوة إلى الذهاب لعقد اجتماعي جديد يمنح الشيعة (حزب الله) صلاحيات دستورية واسعة في بنية النظام، إلى جانب ترسيخ التحالف الاستراتيجي مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.