2025- 01 - 11   |   بحث في الموقع  
logo بعد وقف إطلاق النار مع لبنان… كيف يبدو الوضع حاليّاً في مستوطنات الشمال؟ logo مداهمة منزل في طرابلس logo عز الدين: نضع خرق إسرائيل لوقف إتفاق إطلاق النار برسم رعاته ورئاسة لجنة المراقبة logo بشأن سفارة الإمارات في بيروت… ماذا تبلغ رئيس الجمهوريّة؟ logo حزب الله عرض مع وفد أنصار الله الأوضاع في مخيمات صيدا logo بيان صادر عن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عز الدين. logo بالصورة: إسرائيل استهدفت سيارة في بلدة كونين logo ليفربول يستعرض قوته في كأس إنكلترا
"معارك خاسرة" لنغم حيدر... ماذا يخبّئ نرد الحياة للثائرات؟
2022-03-18 18:56:03

تصدر قريبًا رواية « معارك خاسرة » للكاتبة السورية نغم حيدر عن دار هاشيت أنطوان/نوفل. وقد جاء في نبذة الرواية:
للآباء لونٌ واحدٌ وللأبناء ألوانٌ كثيرة. للآباء درّاجاتهم النارية وأيّامهم البطيئة، وللأبناء بقيّة الألوان والمستقبل الذي يركض أمامهم. مِن أسوار العائلة إلى أسوار المدينة، من السجن الصغير إلى ذلك الأكبر، يعلن كلٌّ من هؤلاء انتفاضته. بشالها الأحمر، تغادر مَي قلق والدتها، وتلتحق بالمحتشدين خلف حناجرهم في الساحات. وبالرخام الأبيض، يحفر بهاء الدين حرفًا إضافيًّا على شاهدة طفولته، ليدفنها في عتمة ظِلّ أبيه. أمّا فاضل، فيحوّل الحياة إلى لعبة بلياردو ويصوّب كرته الأخيرة إلى الهاوية.فصل من الرواية بعنوان "شال أحمر":ما كلّ هذي الأمنيات؟ أمنيات عنيفة ملتهبة كبروقٍ في سماءٍ ليليّة. تكاد تخترق جلدي الطريّ لتبزغ. تصهل مثل خيول تدكّ التراب. منذ رأيت تظاهرةً في شوارع المدينة للمرّة الأولى وأنا أعاني من جموح الأمنيات. تضخّمت وعوت كأنّها تناديني. صارت عملاقًا رفعني عن الأرض، وبقيت محمولةً على أكتافها.لم أكن يومًا محلّقةً كما أشعر الآن، وأنا تحت سطوة الأماني كأنّها أفيونٌ لذيذ. لمَ لا تدعني هدهد أنصاع لها راكضة خلفها في كلّ اتّجاه؟ نحو الهاوية والقيعان وأودية الموت. عودي يا مي! هذا غير ممكن. أريد أن أتبع الأمنيات مهما كان الثمن.الشارع نهرٌ وأنا غريقة. سأمنح نفسي لتيّاراتِه واندفاعه وأكتسي بلون مائه. لطالما استهزأت بي هدهد حين وصفتُ التظاهرات بشاعرية وتأثّرت ونحن نشاهدها في التلفزيون. أشرح لها معنى الالتحام بفضاء الشارع والانغماس فيه، ثمّ أستفيض في وصف الغضب الجماعي ونشوة الصراخ مع الناس في قلب العاصمة ضدّ الأنظمة وضدّ الرئيس، لتجيبني بأنّها تراها تهديدًا! صفعةً على وجه أيّامنا. تخبرني أنّ التظاهر خروج إلى العراء، إلى الفراغ المخيف. تتّهم المدينة بأنّها تبتلع، وتُخفي، ولا تردّ الأمانات.– أليس لديك يا هدهد أمنياتٌ حارقة مثلي؟قدت سيّارتي ببطءٍ ناظرةً حولي في كلّ اتّجاه. شوارعُ فارغة ومحالُّ مغلقة. الحياة تحصلُ بحذر خلف أبواب البيوت كما لو أنّ العماراتِ والأرصفة وإشارات المرور ديكوراتٌ لمسرحيةٍ لم تبدأ بعد. ثابتة في مكانها تشير إلى فراغٍ سيمتلئ قريبًا، ساكتة بانتظار المشاهد الأولى.توقفتُ عند الإشارة الحمراء وشغّلت جهاز الراديو ليخفت توتّري وتؤنسني إيقاعاتُ الأغاني الهابطة والإعلانات السريعة. بدا لي أنّ الشوارع تحاكيني، ترتدي مثلي لون الجنائز.إعلان محارم. بسكويت. عروض أدوات كهربائية.خياراتُ الراديو عديدة، أمّا خيارات الناس في هذه المدينة فهي أقلّ من ذلك بكثير: الصمت أو الموت. الموت أوالمذلّة. البقاءُ المرير أو الفناء الموجع. ابتسمتُ حين تذكّرتُ أمي في لحظةٍ ماضية من لحظات تهديدها بسبب عنادي وحبّي للمشاكل كما تقول: «أنا أو هذه الشلّة التي تصاحبينها. اختاري إمّا أمّك أو هذا الحبيب العميق كما تسمّينه. مي، إن سرتِ في طريق المعارضة أو كتبتِ مقالةً تضرّك فسأقاطعك. سأتبرّأ منكِ. سأنبذكِ. لا أنا أمّك ولا أعرفك». خياراتُ هدهد هي الأخرى شبيهةٌ بأشكال متعدّدة للموت. متأكّدة من أنّني سأختارُها في آخر الأمر، فهي شكل النهايات الوحيد الذي أعرفه، كلّ نهاية عدا هدهد مجهولة بالنسبة إليّ.نشرة أخبار الساعة...
تابعتُ القيادة فيما ألقت المذيعة بصوتها الجهوريّ نشرة الأخبار. في الخلفية صدحت موسيقى حماسية وأصوات أبواق. لو أنّ أمي جالسة بجانبي لخفضت الصوت أو حاولت أن تغطّي مكبرات الصوت في السيّارة بيديها. لطالما فضّلت أن تكون لي غراميات أختي يُمنى الكثيرة عوضًا عن الهوس بالأخبار. اعتدتُ مظهر سبّابتها المرفوعةِ في وجهي وعينيها الرطبتين في كلّ مرةٍ تتخيّل فيها أنّني سأسجن أو أغيب. إن انغمستُ في متابعة تحليلات الأحداث على القنوات الإخبارية أو مشاهدة أحد الوثائقيات، ألهتني، واضعةً أمامي صحون مكسّراتٍ أو حلوى باللبن. وإن تابعتُ برنامجًا حواريًا تحدّثت إلى يُمنى بصوتٍ عالٍ عن قصص الجيران وأخبار الأقارب محاولةً افتعال حديث ما.
وإن تفرّجتُ على ما يحصل في العالم من حروبٍ ومظالم ونزاعات، استعرضت أمامي كنزةً اشترتها أو بخّت على معصمها عطرًا جديدًا وقرّبته من أنفي، لتذكّرني بأنّها أقرب إليّ من ألوان الشاشاتِ كلّها. عطورها أنفذ إلى صدري وعقلي من كلّ الأخبار المقيتة والتحليلات التي ليس لها طائل.
وإن فقدتِ الأمل منّي، نظرت إلى أختي بيأسٍ وتهامستا عليّ.
الأخبار المحلّية، صرّح الرئيس...
استمرّت المذيعة بالكلام وتوقفتُ عند إشارةٍ حمراء أخرى. عبر بعض الناس أمامي نحو الضفّة الأخرى فيما نقلت الإذاعة مقاطع من خطاب الرئيس. حدّقتُ في مشيهم ونظراتهم المرتبكة. سيّدةٌ حملت طفلًا بين ذراعيها. شابّان تحدّثا بجدّية. رجلٌ يدخّن. أصبحت الإشارة خضراء. تابعتُ القيادة ونظرتُ في المرآة نحو الخلف وبدا لي أنّ الناس ما زالوا يمشون من دون أن يصلوا إلى ضفّة الشارع الأُخرى. كلّما صرّح هذا الرئيس أكثر، طال المسير.
ألا ترين كم هو حقير هذا الرئيس السا... كم أسكتتني هدهد حين تجرّأتُ على شتم الرئيس في صالون بيتنا. قبل إتمام السباب وضعت يدها على فمي وطوّقت الكلمات قبل أن أنطقها. أسكتتني كي لا يأخذوني. أخرستني كي تبقيني إلى جانبها.
غيّرتُ المحطّة.
أغنية. مشوّشة قليلًا، لكن الإيقاع جميل.
وصلتُ إلى شارع المجتهد وأبطأتُ القيادة بجانب مدرستي الثانوية، ثمّ نظرتُ إلى بوّابتها الحديدية الضخمة والمغلقة وحدودها العالية. أطلق باص سرفيس خلفي بوقه كي يحثّني على الإسراع.
كم وقفت هدهد على أعتاب هذه المدرسة كي يفتح لها الآذن فتدخل حاملةً صحنًا في يدها. حين كنت في الثانوية كانت تُستدعى دومًا بسبب مجادلاتي ورفضي للأوامر، فتدخل غرفة المديرة مصطنعةً ضحكةً برّاقة خجولة وتقدّم للآنسات صحنًا مملوءًا بقطع معمول بالفستق الحلبي. تروح تسأل المديرة والآنسات عن أحوالهنّ وأحوال العائلة وتضيّفهنّ القطع وتعلّق على ثنائهنّ ومديحهنّ لصنيعها ناظرةً نحوي بطرف عينها وأنا واقفة بجانب الباب.
– حلوياتك يا سيّدة هدى لذيذة حقًا والحشوة أكثر من الغلاف كما نحبّ تمامًا. فلتسلم يداكِ على ما جلبتِ. ولكن عتابنا عليكِ في ما يخصّ ابنتك مي كبير! الأمر غريبٌ، إذ إنّ يُمنى مختلفةٌ تمامًا عنها مع أنّ الفرق بينهما سنتان فقط. لولا يُمنى لقلنا إنك بحاجة لإعادة النظر في تربيتك لابنتيك.
الأغنية ذاتُها. مشوّشة أكثر.
فكّرت في أفواه المعلمات الملطّخة بأحمر شفاهٍ رخيص وهي تمضغ معمول أمّي وبعد البلع تشتكي لها منّي وتلومها على تربيتها لي وعدم وضع ضوابط لتصرّفاتي. كنت أراقبهنّ وهنّ جالسات على المقاعد الجلدية العريضة واضعاتٍ أكفّهنّ تحت القطع كي لا يقع الفتات على الأرض، ثمّ أنظر إلى شفتَي هدهد وهي تبرّر لهنّ تصرّفاتي وتردّها إلى طيش المراهقاتِ معتذرةً إلى مدرّسة الديانة والقومية والتربية العسكرية... شاكية للمعلمات قلّة حيلتها إذ إنّها أرملة مسؤولة عن ابنتين مراهقتين وبيتٍ كامل.
عادت يومها إلى البيت بصحنها الفارغ. فركته في المجلى لدقائق طويلة ثمّ فضّته. جفّفته حتى التمع ثمّ وضعته على طاولة المطبخ وصفّت عليه حبّات معمول جديدة بعضها فوق بعض لتأخذ شكل جبلٍ صغير. سارت بالصحن إلى الصالون ووضعته في حضنها ثمّ نظرت إليّ وأنا جالسةٌ على الأرض بجانب المدفأة. دفعت حبّةً إثر أخرى نحو فمها. تأمّلتني وهي تمضغها. كأنّ الحبّاتِ المدوّرة الصغيرة قهرٌ مكتوم قديم يجب أن يُبتلع بسرعةٍ إلى الأعماق.
– أنا وحيدة وضعيفة، كيف سأدافع عنكِ إن حصل لكِ شيء؟

(*) نغم حيدر
كاتبة وطبيبة أسنان سورية، مواليد دمشق العام 1987. حازت عام 2010 المركز الثاني في مسابقة وزارة الثقافة السورية للقصّة القصيرة. جاء عملها الروائي الأوّل «مرّة» (2014) ثمرة مشاركتها في محترف الروائية نجوى بركات «كيف تكتب رواية». صدرت روايتها الثانية «أعياد الشتاء» عن دار نوفل (2018)، وأُدرجت على القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد فئة المؤلّف الشابّ. «معارك خاسرة» هي روايتها الثالثة بالمجمل والثانية الصادرة عن دار نوفل (2022).


وكالات



كلمات دلالية:  ها هدهد ثم الرئيس لها كي وأنا أم
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top