الحكاية نفسها تتكرر في كل عام ومع كل عاصفة تضرب لبنان يفيض النهر الكبير الجنوبي الفاصل بين لبنان وسوريا ويحول الحقول الزراعية في البلدات المجاورة الى بحر جارف.
ككل عام، إعتاد أهالي بلدات: حكر الضاهري، السماقية، المسعودية، العريضة.. تحمّل معاناة فيضان النهر الكبير الذي يغرق المنازل المجاورة ويخلف أضرارا جسيمة في الممتلكات. وككل عام، تُبح أصوات المواطنين في طلب المساعدة والمساندة من الوزارات المعنية، الا أن أيام الاستقرار لم يشهد النهر أية أعمال جدية من شأنها حماية الأهالي والمنازل المجاورة، ليبقى الحال على حاله، ولتبقى الأمور سائبة والله راعيها.
هي حال محافظة عكار، التي تعيش في الظلام الدامس منذ 12 يوما، لا كهرباء على الاطلاق، ولا مياه، ودرجات الحرارة ما دون الصفر، فهل عكار من ضمن الدولة اللبنانية؟ هل عكار تدخل في حسابات الوزارات المعنية؟ هل المواطنين في عكار درجة رابعة أو عاشرة؟ ماذا أنجز في عكار على مدار الحقبات المتتالية منذ التسعينيات لغاية اليوم، شبكة الكهرباء مهترئة وهي الشبكة نفسها لم تتبدل منذ تمديدها في العام 1966!
هو النهر الكبير الجنوبي نفسه الذي يفيض ويغرق الأراضي اللبنانية، في حين أن سوريا، الدولة المجاورة قامت بتحصين الساتر من جانبها لحماية أراضيها وممتلكات المزارعين. وفي عكار لا حياة لمن تنادي، وكانت المعالجة تقتصر على أعمال التنظيف التي تقوم بها الهيئة العليا للاغاثة في كل عام، يوم كانت الهيئة تمتلك الأموال، أما اليوم فلا هيئة إغاثة ولا وزارة تهتم، ولا وزير زراعة يسأل عن واقع المزارعين الذين أتلفت أراضيهم الزراعية، وتحديدا موسم البطاطا الذي يعول عليه أبناء المنطقة.
هي عكار المفجوعة بماضيها وحاضرها ومستقبلها، هي عكار التي تدخل بلدياتها في غيبوبة فعلية وهي السلطة المحلية القادرة على القيام بالكثير لو أرادت العمل، هي السلطة المحلية التي يجب عليها وبمساندة القوى الأمنية أن تعمل على حماية القطاع الحيوي الرئيسي ضمن نطاقها، فكيف يمكن سرقة، الخطوط، ومحول الكهرباء، أو الخزان الرئيسي أو دفاعات شبكات التوتر أكثر من مرة ومن نفس المكان، والبلدية في خبر كان. هي نفسها البلديات التي توظف العشرات من شرطة البلدية بهدف التنفيعات الانتخابية والحسابات العائلية الضيقة، هي نفسها البلديات التي أتخمت صناديقها بالأموال أيام العز في لبنان، وكانت الأموال تبدد وتهدر، وتسرق وتنفق لاقتناء السيارات وإقامة الولائم.
اليوم يغيب صوت رؤساء البلديات، ويغيبون عن القيام بأبسط المهام، هم أنفسهم تم تمديد ولايتهم سنة، من دون أن يخرج من يعترض في كل لبنان. أيعقل أن تستباح القرى والبلدات العكارية والجميع يتفرج؟ أيعقل أن يحرم السارقون فقراء عكار من ساعات التغذية المتدنية أصلا؟ في وقت تسيطر فيه العاصفة ساحلا وجردا وسط درجات حرارة بلغت 2 تحت الصفر، والمولدات الخاصة باتت حكرا على الميسورين في ظل الارتفاع الجنوني بأسعار المحروقات؟ والآوضاع الاقتصادية المتردية جراء إنعدام القدرة الشرائية بسبب الانهيار المالي، وبحال تم إصلاح التوتر في الأيام المقبلة فان الخطوط داخل القرى مفقودة تقريبا، إذ يسجل يوميا ما لا يقل عن خمس الى عشر سرقات في عكار، بحسب مصادر مؤسسة كهرباء لبنان، التي تؤكد أننا لم نعد قادرين على الاستمرار بهذا الواقع وعلى القوى الأمنية والبلديات تحمل مسؤولياتهم وحماية الشبكة. أيعقل أن يجول ويصول السارقون وهم معروفون وكل بلدية تعرف ضمن نطاقها من هم اللصوص؟، أيعقل أن النخوة فقدت لدى الجميع؟ وبحال خرج بعض المتطوعين لحراسة بلداتهم وقراهم يتم إتهامهم بأنهم فاقدو الشرعية؟ أين المنطق في كل ما يجري؟ وما الذي ينتظر عكار بعد؟..