سمح مصرف سوريا المركزي التابع للنظام، بتسلم الحوالات الخارجية للسوريين العاديين من شركات الصرافة بالدولار الأميركي أو باقي العملات الأجنبية الأخرى، لكن شريطة أن تتجاوز قيمتها 5 آلاف دولار أميركي، مع إبراز البطاقة الشخصية (الهوية) لمستلم الحوالة.
أما بالنسبة للحوالات التي تكون قيمتها 5 آلاف دولار وما دون، فأبقى المركزي شرط تسلمّها بالليرة السورية وبسعر الصرف الرسمي عند 2512 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد، علماً أن سعر الدولار في السوق السوداء عند حدود 3600 ليرة.
ويشكل هذا التعميم مخالفة لنص المرسوم التشريعي رقم 3 للعام 2020، الذي يجرّم التعامل بغير الليرة السورية، ويبدو أن النظام اضطر لذلك لتحقيق مكاسب عديدة.
ويكمن المكسب الأهم الذي يتطلع إليه النظام، حسب الخبير الاقتصادي محمد حاج بكري، في قطع الطريق على قنوات التحويل المالي غير النظامية، بسبب لجوء غالبية السوريين إلى السوق السوداء لتسلّم حوالاتهم الخارجية، بسبب الفروق الكبيرة في احتساب سعر صرف الدولار في سوريا.
كذلك يرجح حاج بكري في حديث ل"المدن"، أن يكون التعميم الأخير، بسبب زيادة حاجة النظام السوري إلى السيولة الأجنبية في مناطق سيطرته، وخصوصاً مع إحجام غالبية السوريين عن إرسال الحوالات بالدولار عبر شركات الصرافة المرخصة والمعتمدة من قبل المركزي.
ويوضح أن دخول الدولار إلى سوريا يعني حكماً زيادة المعروض منه في السوق الداخلية. وقال: "من هنا جاء شرط أن تكون قيمة الحوالة فوق 5 آلاف دولار، حيث يسهل التحكم بطرق تصريف هذه المبالغ، لأن النظام لديه معلومات واسعة عن أصحابها، وهم قلة، ومن المرتبطين به غالباً".
يضاف إلى ذلك، وفق حاج بكري، أن النظام يتطلع من وراء السماح بتداول العملات الأجنبية على نطاق محدود، إلى مواجهة التضخم الذي يسود الأسواق، فبالنهاية سيتم استبدال الدولارات بالليرة السورية، وهو ما يصب في صالح العملة المحلية.
ولا بد من الإشارة إلى أن غالبية الحوالات الخارجية التي تصل للداخل السوري، قيمتها صغيرة تتراوح بين 100-400 دولار أميركي، لأنها في الغالب عبارة عن مساعدات تصل للأهالي من ذويهم في الخارج، وبناء على ذلك، يبقى التعميم بلا أثر اقتصادي على الأرض.
وهو ما يؤكد عليه الباحث الاقتصادي يونس الكريم ل"المدن"، الذي يرى أن التعميم لا يؤشر إلى تغيير في سياسات النظام المالية حيال التعامل بالعملات الأجنبية.
وأبعد من ذلك، يعتقد الكريم أن التعميم يأتي استمراراً لتقييد التعامل بالعملات الأجنبية، ويوضح "أساساً لا يجرم النظام حيازة العملات الأجنبية، وإنما التعامل بها، وبذلك لا يضيف التعميم أي جديد بهذا الخصوص".
ويقول إن "التعميم الجديد، يعني السماح للمواطنين بتسلم الحوالات الكبيرة بالدولار، لكن في الوقت نفسه فإنه يطالب مستلم الحوالة بالكشف عن وجود هذا المبلغ عند أي تدقيق من النظام".
ويتعين على متسلم الحوالة (فوق 5 آلاف دولار)، أن يبيعها للمصرف المركزي، وبسعر الشراء الرسمي (2500 ليرة سورية للدولار الواحد).
وتأسيساً على ذلك، يبدو أن التعميم يهدف إلى تنشيط حركة التجارة من خلال تشجيع المستثمرين والتجار الأجانب على تحويل أموالهم إلى سوريا عبر الطرق الرسمية، وليس للسوريين من خارج شريحتي التجار والمستوردين.
ويدفع كل ما سبق إلى الاستنتاج أن النظام لا زال يخشى من تبعات تداول العملات الأجنبية في مناطق سيطرته على نطاق واسع، ويستعيض بدلاً من ذلك بالسماح لشرائح محددة بتداولها، مع الأخذ بالاعتبار سهولة تتبع حركتها.