2025- 03 - 07   |   بحث في الموقع  
logo جنبلاط بعد اعتقال الأمن السوري قاتل والده: الله أكبر logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الخميس logo "تحركات الخلايا في سوريا مدعومة من حزب الله".. مصدر أمني "يكشف"! logo "مستقبل مشرق وواعد"... رسالة من وزيرة التربية إلى المعلمين! logo جنبلاط يعلّق على خبر اعتقال المسؤول عن اغتيال والده logo "القسام" ملتزمة الهدنة.. وإسرائيل تحاول تخريب محادثات ويتكوف logo اجتماع "أميركي أوكراني" في الرياض الأسبوع المقبل logo "أشرف على اغتيال كمال جنبلاط"... اعتقال رئيس المخابرات السوري السابق
أثرياء المنظمات الدولية الجدد "يقهقهون".. ولا طعام للمعدمين
2022-02-16 13:56:13

الطقس بارد في بيروت، والمطر ينهمر في شارع بدارو المزدحم بالسيارات. تصدح الموسيقى من الحانات المنتشرة على جانبي الشارع، فتختلط بقهقهات ساهرين شبان وشابات من العاملين في منظمات غير حكومية عالمية، تتوزع مهامهم بين حماية اللاجئين، المرأة، الطفل، المشردين، وتأمين الغذاء للفقراء.
وعلى رصيف الشارع تسير امرأة خمسينية، متنقلة في دخولها إلى الحانات وخروجها منها. تروي للساهرين والساهرات قصة ابنها شربل المصاب بكهرباء في الرأس، وهو الآن في المستشفى ينتظر تبرعات فاعلي الخير لعلاجه. وهناك على الأرصفة أطفال يبيعون المحارم الورقية والورود. شاب سوري أو عراقي لاجئ يقف أمام إحدى الحانات ويلوح لروادها بأقنعة طبية. رجل عجوز بثياب أنيقة يقترب بهدوء من بعض الشبان، يتحدث بتهذيب مبالغ فيه عن حاجته للمال. وهو واحد من كثيرين عرفوا ما يريد أن يراه ويسمعه موظفو/ات المنظمات الدولية أو "الأن جي أوز": متسول مهذب بثياب نظيفة ويتحدث الإنكليزية.أثرياء جدد وأدغال بؤسهذا مشهد من مشاهد بيروت الجديدة، بيروت الأثرياء الجدد من فئات شابة ترتاد شوارع بدارو والجميزة ومار مخايل، وبدأت قبل أعوام قليلة تستوطن فيها وفي نواح من فرن الشباك، وتمددوا إلى الأشرفية. ومعظمهم/هن يعمل في منظمات غير حكومية ناشطة ومتزايدة العدد والنشاط في بيروت ولبنان. وتسميتها الأصح: "شركات متعددة الجنسية". وقد تحولت هذه المنظمات أو الجمعيات "الخيرية" أو "الإغاثية"، إضافة إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إلى محرك لرؤوس أموال التبرعات الدولية. وراحت مقار مكاتبها تغص بالموظفين/ات برواتب متضخمة، بلا أدوار وأعمال حقيقية أو فعلية على الأرض، أو في الأدغال الاجتماعية اللبنانية البائسة والمتوسعة في بيروت والمناطق.
محدثو/ات النعمة هؤلاء، يحاولون قدر مستطاعهم الاستفادة من الوضع الجديد، ربما بديلًا عن الرحيل عن البلاد والهجرة منها إما إلى أوروبا أو دول الخليج. وتكاد حياتهم الفعلية تقتصر على الليلية منها، تعويضاً عن تصحر الأوقات النهارية في المدينة المنكوبة. فتغص بهم/هن الحانات الليلية، وينشرون صور سهرهم واحتفالاتهم وأعياد ميلادهم على مواقع التواصل.
علاقة غريبة تنشأ بين شبان/ات هذه الفئة، وأولئك الذين يحاولون التقاط فتات الحياة الليلية في هذه المدينة: المتسولون والفقراء واللاجئون والأطفال والنساء البائسات، وهم علة بقاء الفئة الأولى وعملها في البلاد المنكوبة. أي موظفو الأن جي أوز، الذين يتقاضون رواتبهم لقاء عملهم المتخصص في مساعدة الفئة الثانية.لقاء سورياليفالشطر الأكبر من تبرعات وزارات خارجية حكومات الدول الغربية، ومن أموال دافعي الضرائب ومساهمات البنوك والشركات الخاصة فيها، تخصص للنفقات التشغيلية ورواتب الموظفين في المنظمات غير الحكومية العاملة هنا، حرصاً على رفاهيتهم، ربما لئلا يغادروا البلاد. ومنهم أولئك "البيض" القادمون من أوروبا للإشراف على أعمال هذه المنظمات ومراقبتها ووضع برامجها.
أما الفئة الثانية من المعدمين المتسولين، فلا تلتقي ببعض أفراد الفئة الأولى، إلا على أبواب حانات سهرهم، محاولين استجداء الساهرين/ات لالتقاط شيء من فتات أموال مخصصة أصلاً لإعاشتهم، لئلا يهاجروا بدورهم إلى أوروبا إذا جاعوا وتشردوا في العراء. وعلى أبواب الحانات، ها هم يتفرجون على "أولياء أمورهم" يتنعمون بحياة رغيدة، تحت شعار العمل الإنساني. ويبدو المشهد سوريالياً إلى حد بعيد، ساخر وحزين في الوقت عينه.
على هامش معاناة هؤلاء وسعادة أولئك، يكتمل المشهد اللبناني بالأحياء والموتى: الساهرون/ات الباذخون الجدد، هاربين من بؤس المدينة النهاري. وأولئك الذين يعيشون فقط لإشباع حاجاتهم البدائية، لأن هذا أقصى ما تتيحه لهم إمكاناتهم: الطعام، الشراب والنوم، بنوعية رديئة بائسة في كل شيء.حياة عاريةوهكذا يتحول الأرزّ الذي توزعه الجمعيات الخيرية إلى وجبة يومية رئيسية، بلا قدرة على إضافة أي مكون آخر للأرز. عائلة كاملة تجتمع حول طبق أرز ورغيف خبز. وتتمحور حياة أمثال هذه العائلة على الخروج في الصباح إلى أعمال شاقة، والعودة مساءً إلى منازل البرد، بأيد سوداء ملطخة بغبار وشحوم. ينامون ويستيقظون وأيديهم على حالها سوداء، وعندما يموتون يقابلون الله بأيديهم نفسها.
على النقيض من الأحياء الموتى، هناك الناجون، موظفو الشركات الخاصة، الذين استطاعت شركاتهم تأمين رواتب بالعملة الصعبة. وبعض هؤلاء وجد في الانهيار طريقه لجني المال. فتغص بهم المحال التجارية والمولات ومتاجر العلامات التجارية العالمية. يشيحون بأنظارهم عن الجحيم المحيط بهم، كأنه لم يوجد يوماً، ويسيرون نحو سلعهم بخطى ثابتة لا يستطيع كل فقراء العالم زحزحتها. هناك ألف تبرير يجده الانسان كي لا يكون إنساناً.
وتتدافع هاتان الفئتان لتحتلان صدارة المشهد اللبناني. ولا مجال لأي نقاش فكرة أخرى تتعدى المتطلبات الأساسية التافهة للعيش. لا نقاش فلسفياً أو فنياً أو ثقافياً أو سياسياً يستطيع أن ينافس أصوات قرقعة صحون الفقراء، طلباً للمزيد من الأرز، أو ينافس صوت أم شربل وهي تتسول ثمن علاج ابنها، أو الصوت الهادئ للمتسول العجوز. لا قصيدة تستطيع أن تخترق القهقهات العالية لشبان الأن جي أوز في حانات بدارو والجميزة ومار مخايل. لا كتاب قادراً على حرف الأنظار عن لافتة "حسم 50 في المئة" في مولات بيروت. وفي مكان آخر غير بعيد، يجلس المثقف العتيق، تعانقه كآبة شارع الحمرا، ويسكب كأساً آخر من العرق البلدي.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top