على الرغم من التحذيرات الواردة في تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، من ان استمرار الركود الاقتصادي يمثّل احد اخطر التحديات العالمية الناجمة عن الجائحة، فقد اظهرت بيانات رسمية استقرار نمو كبريات الاقتصادات العالمية في الربع الاخير من العام الماضي، وتوقعات، لازالت ايجابية حتى الآن، حول نسب نمو معقولة خلال العام الجاري، مما يُسهم في تعزيز الثقة في قدرة الاقتصاد العالمي على التعافي.
كيف تمكن الاقتصاد العالمي من تحقيق هذا النمو؟
في كلمته التي القاها في الجلسة الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي في النصف الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، اوضح الرئيس الصيني "ان الصين تمكنت من الحفاظ على نموها من خلال التركيز على اربعة جوانب: بناء اقتصاد عالمي مفتوح، زيادة التعاون العالمي في مكافحة الجائحة، العمل من اجل تعزيز التنمية العالمية، اضافة الى السعي لابتكار حلول للتغلب على التحديات الرئيسية الاخرى التي تواجه العالم". وما يصحّ على الاقتصاد الصيني ينسحب على باقي الاقتصادات المتقدمة.
كيف يمكن تعزيز الجهود لضمان تعافي الاقتصاد تدريجيا وتحقيق التنمية العالمية المستدامة؟
لنتمكن من احراز تحسّن مطّرد وملموس في الاقتصاد العالمي، يجب على دول العالم ابتكار وسائل جديدة لتعزيز النمو الاقتصادي واستكشاف انماط جديدة لتحسين الحياة الاجتماعية وتجربة سبل جديدة لتعزيز التواصل بين الشعوب على اختلاف ثقافاتهم.
على الدول ذات الاقتصادات الكبرى ان تنظر الى العالم على انه مجتمع واحد، وان تعمل على زيادة الشفافية في سياساتها، وتتبنى سياسات اقتصادية مسؤولة وتعالج الاثار المترتبة عن تنفيذها. كما ينبغي على المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية القيام بدور بنّاء لمنع المخاطر التي يمكن ان تؤثر على الاقتصاد العالمي، اضافة الى ضرورة وضع قواعد مقبولة وفعّالة بصورة عامة لتقنيات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، وايجاد بيئة ابتكار علمي وتكنولوجي تتسم بالشمولية والعدالة وعدم التمييز.
ولعل الاهم العمل على ازالة الحواجز وليس بناء الجدران، وان نتحلى بالانفتاح على الآخرين بدل ان ننغلق على انفسنا، ونسعى الى تحقيق الاندماج والتكامل بيننا، لا ان نعمل منفردين، فاذا نجحنا في ذلك، نكون في طريقنا لبناء اقتصاد عالمي مفتوح.
من موقعنا، كرئيس فخري لرابطة مراكز التجارة العالمية، نعمل في سبيل تحقيق هذه الغاية، واوراقب بكثير من الفرح والسرور الخطوات المتخذة في هذا المجال، واتوقف عند حدثين هامين حصلا بداية العام الحالي، يصبّان ايجاباً في سبيل تحقيق هذه الغاية.
يتمثل الحدث الاول في دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة، التي وقعتها 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ العام 2020، حيّز التنفيذ بداية العام الحالي، وهي تغطي سوقاً يضم 2.2 مليار نسمة، أي ما يقرب من 30% من سكان العالم، باجمالي ناتج اجمالي يبلغ 26.2 ترليون دولار اميركي، اي نحو 30% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي.
تعتبر اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة اكبر اتفاقية تجارية في العالم وهي تشكل خطوة كبيرة تصب في صالح التكامل الاقتصادي الاقليمي وتعددية الاطراف والتجارة الحرة وقرار تاريخي يعزّز العولمة الاقتصادية، لاسيما وانها تأتي في اعقاب جائحة كورونا-19 التي عزّزت الحمائية التجارية في اكثر من دولة، وهي اضافة الى ذلك اتفاقية شاملة، حديثة وعالية الجودة، لا تغطي تجارة السلع فحسب، بل تتضمن ايضاً تجارة الخدمات والاستثمار والتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية والتجارة الالكترونية. وهي بالتأكيد "حتمية تاريخية تتمثل في وجود ثلاث مناطق متعاونة في العالم، وهي آسيا والمحيط الهادئ، اوروبا واميركا الشمالية" على ما قال ستيفن بيري، رئيس نادي مجموعة الـ48 البريطانية.
وفقاً لتحليل صدر عن مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) فان الحجم الاقتصادي لهذه الشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة وديناميتها التجارية سيجعلانها "مركز ثقل للتجارة العالمية"، كما من شأنه ان يدعم الثقة في التجارة الاقليمية والعالمية، ويعزز تكامل السلاسل الصناعية الاقليمية، ويحمي التجارة الحرة والآليات متعددة الأطراف.
بالنسبة للدول الاعضاء، فان سلسلة من الفوائد الجوهرية، مثل خفض التعريفات الجمركية وتسهيل التجارة وتداول العناصر الاقتصادية، ستنشئ منصة اكثر تماسكاً للتعاون الاقليمي، اذ وفقاً للحكومة اليابانية، فإن الاتفاقية يمكن ان تجعل 91.5% من السلع الصناعية اليابانية معفاة من الرسوم الجمركية وتعزز الناتج المحلي الاجمالي الياباني بنسبة 2.7% وتخلق 570 الف فرصة عمل، وهو ما سيحقق فوائد اقتصادية اكثر من تلك التي حققتها اية اتفاقية تجارية وقعتها اليابان حتى الآن. اما الدول الاقل نمواً في المنطقة، فستحصل على مساعدات اقتصادية وتقنية، بما يسهم في تجسير الهوة التنموية بين اعضائها والدفع في سبيل تحقيق تنمية أكثر شمولاً.
في اعتقادنا ان الزيادة في التجارة والاستثمار التي ستحدثها هذه الاتفاقية ستساعد في اصلاح سلاسل التوريد التي تعطّلت بفعل الجائحة، وسوف يستفيد العالم من الدينامية النابضة بالحياة في المنطقة.
الحدث الثاني يتمثل باستضافة وزيرة التجارة الدولية وترويج الصادرات والأعمال التجارية الصغيرة والتنمية الاقتصادية الكندية، ماري نغ، اجتماعاً افتراضياً لـ«مجموعة أوتاوا» لدفع العمل بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية. وخلال الاجتماع، الذي حضرته أيضاً المدير العام لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا، أكد الأعضاء التزامهم بمواصلة الزخم نحو تحقيق نتائج قوية في التجارة والصحة وإصلاح منظمة التجارة العالمية، وكذلك بشأن المفاوضات المتعلقة بدعم مصايد الأسماك والزراعة.
الوزيرة الكندية اكدت الدور المهم لمنظمة التجارة العالمية في ضمان مساهمة نظام التجارة العالمي في إنهاء الوباء والأزمات الصحية العالمية في المستقبل. والتزمت المجموعة العمل معاً بشكل وثيق لمعالجة الحواجز التجارية في السلع الطبية الأساسية، بما في ذلك قيود التصدير والتخليص الجمركي والشفافية وتبادل أفضل الممارسات بين القطاعين العام والخاص.
كما ناقشت الوزيرة ونظراؤها في «مجموعة أوتاوا» الخطوات التالية بشأن أولويات إصلاح منظمة التجارة العالمية، واتفقت المجموعة على تكثيف مشاركتها مع الأعضاء الآخرين لاستعادة نظام تسوية المنازعات لمنظمة التجارة العالمية يعمل بكامل طاقته، كما التزم المشاركون في الاجتماع بتحسين الشفافية في منظمة التجارة العالمية، وشجعوا الأعضاء لضمان تلبية منظمة التجارة العالمية لاحتياجات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
وقالت ماري نغ: «بصفتها رئيس مجموعة أوتاوا، تلتزم كندا بمواصلة العمل عن كثب مع شركائنا الدوليين لتعزيز النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد مع منظمة التجارة العالمية في جوهره. نحن نركز على النهوض بمبادرات منظمة التجارة العالمية الرئيسية والحفاظ على الزخم فيما يتعلق بالتجارة والصحة ومفاوضات دعم مصايد الأسماك وإصلاح منظمة التجارة العالمية لدعم انتعاش اقتصادي عالمي قوي ومستدام وشامل من جائحة «كوفيد -19».
تکمن الطريق الصحيح لتقدم البشرية بازالة الحواجز وتحقيق التكامل التجاري والتعاون الدولي للوصول الى تنمية مستدامة توفر مصالح جميع الاطراف.