تراجَع سعر صرف الدولار من مستوياته القياسية التي سجّلها مؤخراً، والبالغة نحو 33 ألف ليرة للدولار الواحد، إلى أقل من 20 ألف ليرة، قبل أن يُعاود الارتفاع مجدداّ إلى نحو 21 ألف ليرة. وهو ما لم ينعكس بوضوح على الأسعار الاستهلاكية، في كافة الاسواق التجارية. وفي حين تستقر أسعار مئات الأصناف عند مستوياتها المرتفعة، ترتفع أسعار الكثير منها مُتخذة مساراً معاكساً لمسار الدولار! والسبب يأتي على لسان التجار واحداً لا نقاش فيه "شراء البضاعة تم حين بلغ سعر الدولار 33 ألف ليرة".
تراجع سعر صرف الدولار بنسبة فاقت 35 في المئة منذ عدة أسابيع، ولا يزال التجار حتى اليوم يتذرّعون بـ33 ألف ليرة للدولار. وهناك في نقابة مستوردي المواد الغذائية من يبرّر الأمر بحرص التجار على عدم تذويب رساميلهم، وتخوفهم من معاودة ارتفاع سعر صرف الدولار. لكن هل كان أولئك التجار يبيعون منتجاتهم المخزنة في المستودعات بأسعار مخفّضة حين ارتفع سعر الصرف إلى 33000 ليرة تماشياً مع سعر الدولار قبل ارتفاعه؟ بالطبع لا، فالمستهلك في مختلف المناطق اللبنانية لمس وبالدليل القاطع التزام التجار برفع أسعار المواد الإستهلاكية توازياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وتخلّفهم في الوقت نفسه عن خفض الأسعار مع نزول سعر الدولار.
الرقابة فقط في بيروت!
وإذا كانت وزارة الاقتصاد والتجارة استمعت إلى شكاوى الناس الكثيرة، وعزمت على ضبط المخالفين من التجار وتشميع محال ومؤسسات في بعض المناطق، فمتى ستحط الجولات الرقابية رحالها في المناطق "الفالتة" خارج بيروت والمدن؟ وهل تعلم وزارة الاقتصاد أن أصنافاً كثيرة جداً من المواد الغذائية تفوق أسعارها في منطقة البقاع مثيلاتها في بيروت؟ وهل تعلم أن المنتج الزراعي الذي تنتجه أرض البقاع نفسه يُباع في بعلبك بأسعار تفوق سعره في بيروت؟
مواطنون يحملون على وزارة الاقتصاد لأنها لا تولي مسألة الرقابة في القرى والبلدات الاهتمام الكافي، بعيداً عن عدسات الكاميرات والإعلام المركّز في العاصمة وبعض المدن. وهو ما يعلّق عليه مدير عام وزارة الاقتصاد، محمد أبي حيدر، في حديث إلى "المدن"، بالقول: إن حملات التفتيش في البقاع ومختلف المناطق مستمرة، والمداهمات تتم بشكل يومي.
وكانت وزارة الاقتصاد قد بدأت جولات رقابية في اليومين الماضيين، داهمت خلالها محلات سوبرماكت لمراقبة أسعار السلع، برفقة مكتب مكافحة الجرائم المالية. وجرى على إثرها إقفال عدد من السوبرماركت المخالفة، والتي لم تخفض أسعار السلع لديها بما يتناسب وانخفاض سعر صرف الدولار. ومن بين المتاجر التي جرى إقفالها "التعاونية الاستهلاكية" في حبوش و"سوبرماركت ريدي" و"تعاونية أبو عامر رمال الأصلي" في كفرجوز، على أن تُستكمل الجولات الرقابية في مناطق أخرى. وقد أكد أبي حيدر أن الحملات الرقابية والمداهمات التي حصلت وتحصل على السوبرماركت سيتم تعميمها على المستوردين ايضاً.
ارتفاع الأسعار وانخفاض الدولار
عند مقارنة مسار سعر صرف الدولار مع بورصة أسعار السلع الاستهلاكية، يبدو للوهلة الأولى أن تغيّر الأسعار لا يرتبط بالدولار، على الرغم من أن الغالبية الساحقة من المنتجات الاستهلاكية مستوردة بالدولار، حتى المنتجات المحلية يؤثر سعر الدولار على موادها الأولية. ما يعني أن تراجع سعر الصرف يجب أن ينعكس مباشرة على المواد الاستهلاكية. وهو ما لم يظهر في معظم المؤسسات التجارية، إن في بيروت أو خارجها.
فكيف يمكن تبرير ارتفاع سعر عبوة الحليب الطبيعي من 26 ألف ليرة، حين كان سعر صرف الدولار فوق 30 ألف ليرة، إلى 33 ألف ليرة مع انخفاض الدولار إلى 20 ألف ليرة؟ وفي سوبر ماركت الأمانة في مدينة بعلبك على سبيل المثال، ارتفع سعر نصف كيلو البن من 75 ألف ليرة إلى 115 ألفاً، وعبوة اللبن الكبيرة من 85 ألف ليرة إلى 115 ألف ليرة، بعد انخفاض سعر صرف الدولار. وحده كيلو البطاط تراجع سعره لكن بشكل طفيف جداً من 18 ألفاً إلى 17 ألف ليرة، علماً أنه من إنتاج البقاع.
حتى السلع المحدّدة أسعارها من قبل وزارة الاقتصاد كالخبز، تتفاوت بين متجر وآخر، ويصل سعر ربطة الخبز في بعض سوبرماركات بيروت إلى 17 ألف ليرة. وهو سعر يفوق بأكثر من 30 في المئة سعرها الرسمي.
مئات السلع في عشرات المؤسسات الاستهلاكية ارتفعت أسعارها بدلاً من انخفاضها مع سعر الدولار. ما يدفع إلى الاعتقاد بأن غياب الرقابة والمحاسبة الفعالة عن التجار والمستوردين تدفعهم لاستغلال المستهلكين بما يشبه السرقة وليس التجارة.