كحال باقي السلع، تقع الأدوية في مرمى الاستهداف المتواصل بفعل عدم تأمين الدولارات للاستيراد بالكميات الكافية، وعدم وجود سياسة استيراد تحدّد أنواع الأدوية المطلوب استيرادها، تبعاً للأكثر حاجة ولطريقة العلاج. ومع عدم بروز أفق للحل الصحيح، تُلقي نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات، بالمسؤولية على وزارة الصحة ومصرف لبنان، وفي المقابل، تؤكّد الوزارة أنها تعمل على توسيع مروحة الاستيراد، وأن الدواء سيتأمّن في السوق بشكل أوسع.أمراض مزمنة وإدمانتقول النقابة أنها ليست الجهة المخوّلة تحديد كميات وأنواع الأدوية المطلوب استيرادها "بل هذه المسؤولية أصبحت لدى وزارة الصحّة العامة والمصرف المركزي، اللذين يحدّدان حصراً الكمّيات والأنواع، ويرسلان للمستوردين موافقات مسبقة، فيقوم المستورد فقط بالتواصل مع الشركات المصنِّعة في الخارج، لتأمين الشحنة في أسرع وقت ممكن". وبدوره، يَعِدُ وزير الصحة فراس الأبيض، بأننا "سنرى كميات الأدوية التي ستدخل تدريجياً بالفترة المقبلة".
بين النقابة والوزارة، لم يلتمس المرضى، وخصوصاً مَن يعانون الأمراض المزمنة، أي زيادة في نسبة تأمين الأدوية في الصيدليات. ولم ينفعهم التزام مصرف لبنان دعم الاستيراد بمبلغ 35 مليون دولار شهرياً. فالصيدليات ما زالت تعكس معاناة المرضى الذين يضطرون للتنقّل بين صيدلية وأخرى للبحث عن الدواء.أيضاً، تعجز مستشفى الكرنتينا الحكومي عن تأمين الأدوية المطلوبة. والمستشفى هي القناة الرئيسية التي تقدّم من خلالها وزاة الصحة الأدوية المغطّاة من قِبَلها للمرضى. وبفعل العجز، يضطر المرضى لدفع أجرة التنقّل إلى المستشفى وسماع الإجابة السلبية من الموظفين. أما الهواتف، فمعطّلة أحياناً ولا مَن يجيب عليها أحياناً أخرى، فلا يبقى للمرضى إلاّ الرهان على الذهاب إلى المستشفى والعودة بالدواء، وهو رهان خاسر في معظم الأحيان.وبالتوازي مع الأمراض المزمنة، يدخل مدمنو المخدرات حلبة السباق مع الزمن لتأمين أدويتهم التي لم تعد تتوفّر بالكميات المطلوبة في مراكز العلاج والمستشفيات.تقنين لستّة أشهرحالة انتظار لا مفرَّ منها أمام أصحاب الأمراض المزمنة والمدمنين. للفريق الأول وعود وزير الصحة فقط، فيما الفريق الثاني حظي مؤخّراً بجائزة ترضية مرحليّة هي عبارة عن "هبة من الأدوية مقدّمة من جمعيات مشاركة في مجموعة العمل المشكّلة من البرنامج الوطني للصحة النفسية وعدد من الأطباء النفسيين. وهؤلاء وضعوا خطة طوارىء بالتعاون مع وزارة الصحة لمواجهة نقص أدوية الإدمان والصحة النفسية"، على ما تقوله مصادر في وزارة الصحة خلال حديث لـ"المدن".
الجائزة غير مستدامة، فالموجود منها حالياً "سيوزَّع عبر مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للوزارة، لكنه يكفي لنحو 6 أشهر، على أن يتأمّن المزيد منها بفعل فتح اعتمادات للشركات لاستيراد الأدوية". وبالتالي، فإن المدمنين والمرضى النفسيين "ليسوا في خطر انقطاع الأدوية، فقد تجاوزنا الخطر الذي كان قائماً منذ فترة". ومع ذلك، لا ينبغي طيّ الصفحة نهائياً، إذ أن هذه الأدوية "معرّضة للقاء مصير باقي الأدوية على المدى البعيد طالما أن الحل مرتبط بالاستيراد وتأمين الدولار".لا دراسات علميةشكَّلَ انخفاض سعر الدولار عاملاً إيجابياً لجهة خفض أسعار الأدوية. على أن نتائج الانخفاض نفسية أكثر منها عَمَلية وملموسة. فالصيدليات ما زالت غير قادرة على تأمين ما يكفي لمرضاها "لأن المستوردين يؤمّنون الأدوية بالقطّارة. أما الأسعار التي انخفضت، فليست بالمستوى المطلوب ولا أحد يراقب التزام كل الصيدليات بها"، على حد تعبير مصادر في القطاع الصيدلي.
تقنين الدولار وتقنين الاستيراد وتقنين توزيع الأدوية، يتكامل مع غياب الدراسات العلمية التي يتم الاستيراد على أساسها، والتي تأخذ بالاعتبار حاجة المرضى والمدمنين لعيارات متنوعة من الأدوية، وتحديداً بالنسبة لعلاج المدمنين، لأن العلاج يأتي بالتدرّج، وكذلك عيارات الأدوية الموصوفة.فعلى سبيل المثال "إذا كان المريض بحاجة لدواء من عيار 130 ملغرام في بداية العلاج، عليه استكمال علاجه بجرعات أخف، من عيار 90 و45 ملغرام. وإذا لم تتوفر العيارات الأقل، فلن يستفيد المدمن من العيار الأقوى لأن العلاج لا يتجزّأ. وسيدفع المريض الثمن مادياً وصحياً". أما الحل، برأى المصادر، فهو "الاستيراد وفق دراسات تلحظ تسلسل جرعات الأدوية وإمكانية استبدال الأدوية المقطوعة بأدوية أخرى".لا جدال في خطورة انقطاع الأدوية. فالأمراض المزمنة لا يمكن التساهل في علاجها، والإدمان له انعكاسات مضاعفة وسلبية جداً على المدمن الذي يتخلّف عن أخذ الدواء بانتظام. فالمدمنون "يتصرّفون بشكل هستيري في حال انقطاع العلاج، ويشكّلون خطراً على أنفسهم وعلى محيطهم. فلا يمكن التساهل بالجرعات أو بتوقيتها حتّى".