رقم كارثي جديد حقّقه الدولار الأميركي يوم أمس عندما وصل سعر صرفه مقابل الليرة اللبنانية، في السّوق السّوداء، إلى عتبة 33 ألف ليرة، ضارباً بذلك رقماً قياسياً جديداً على صعيد إنهيار العملة الوطنية لم يحقّقه قبل ذلك.
هذا التدهور الدراماتيكي للعملة المحلية أصاب بعض المواطنين بهستيريا، فهرعوا إلى الشّوارع والسّاحات تعبيراً عن إحتجاجهم وعدم قبولهم بهذا الأمر، وعملوا على قطعها بإطارات السيّارات المشتعلة وحاويات النفايات، قبل أن يتعرّض البعض منهم لمراكز ومحال تحويل الأموال ومصارف، طالبين منهم إيقاف تعاملهم بالدولار.
كثيرون كانوا يسألون في الأيّام القليلة الماضية بصوتٍ عالٍ، من مواطنين وأصحاب مصالح وتجّار وعمّال وموظفين: “إلى أين نحن ذاهبون، وماذا سوف نفعل إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وهل سيقف هذا التدهور عند حد ما، لأنّنا لم نعد نستطيع أن نكمل بهذه الطريقة؟”، قبل أن يضيف بعضهم بحرقة ولوعة: “لقد أصبحنا نكلم أنفسنا في الشّارع والمنزل ومكان العمل”.
من خلال مراقبة سريعة لما يجري يتبين أنّ الكارثة حلّت بجميع اللبنانيين تقريباً، سوى قلّة من مافيا المال والسّلطة والسّوق السّوداء والحيتان الذين يجنون ثروات ويراكمونها على حساب لقمة عيش المواطنين الذين بأغلبهم من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وعلى حساب بلد ينهار أمام أعين الجميع، من غير أن يعمل أحد على إنقاذه، لا داخلياً ولا خارجياً، لكأنّما الجميع يتآمر عن سابق إصرار وترصد على هذا البلد الصغير، ويتلذذ وهو يراه ينحدر نحو قعرٍ لا قرارٍ له.
والمفارقة أنّ جميع المسؤولين في لبنان يبعدون تهمة الإنهيار عنهم، كأنّ من يرتكب هذه المجازر المعيشية والإقتصادية والمالية بحقّ الوطن والمواطنين هم أغراب وأشباح وليسوا من استلموا زمام المسؤولية فيه منذ سنوات وعقود، قبل أن يزيد الطين بِلّة وأن تنكشف الكارثة والمؤامرة أكثر عندما يتبادل المسؤولون التهم حول ما آلت إليه الأمور، ليتبين أنّ الجميع مشاركٌ في الجريمة، وأنّه ليس هناك من أحد بريء منها.
آخر مثال على ذلك كان ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يوم أمس، عندما أكد أنّ “تفلّت سعر صرف الدولار، وإنهيار الليرة اللبنانية، لن يؤدّيا إلى تأجيل الإنتخابات بل العكس”، معتبراً أن “السبيل الوحيد لوقف إنهيار الليرة اللبنانية هو إجراء الإنتخابات النيابية”، وموضحاً أنّ فوز حزبه في الإنتخابات “سيؤدّي حتماً إلى تحسّن فوري في سعر الصرف، وضخّ أجواء إيجابيّة تسمح بتأمين أجواء الإنقاذ الاقتصادي”.
لكنّ هذه الرؤية الإقتصادية لم تمرّ مرور الكرام، إذ سرعان ما علّق عليها رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السّابق وئام وهاب بقوله: “أحاول فهم كلام رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وما علاقة ربح القوّات بإنزال الدولار”، متسائلاً :” هل يعني أنّ القوّات جزءٌ من خطّة رفع سعر الدولار التي تجري اليوم لأسباب سياسية؟”، قبل أن يختم: “صحح حكيم كلامك خطير، خاصة أنّ الناس يشويها الدولار في هذه السّاعات الحرجة”.