أعاد نقل موظفة من سراي طرابلس الى محافظة عكار تسليط الضوء على واقع المحافظة، وأظهر مدى تجذر الطائفية والمحسوبيات في الدولة العميقة ومؤسساتها وفي النفوس قبل النصوص، حيث إندلعت حربا على مواقع التواصل الاجتماعي تم خلالها مهاجمة وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي بسبب قرار نقل احدى رئيسات الأقسام من البترون والكورة الى مكتب محافظة عكار في سراي حلبا ليومين في الأسبوع، حيث تشغل أمينة سر المحافظة بالتكليف.
الاعتراض على قرار النقل لم يأت لأسباب مسلكية أو لشكاوى هدر وفساد بحق الموظفة المعنية التي شغلت منصب رئيسة دائرة على مدار 20 عاما من دون وجود أي شكوى او ملاحظة مسلكية بحقها، بل أتى لأسباب طائفية تتعلق بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتوزيع الوظائف على الطائفتين.
وتحت عنوان “المناصفة في المراكز والوظائف الادارية داخل محافظة عكار” دعا من يطلقون على أنفسهم إسم “ثوار عكار” لاعتصام أمام سراي حلبا تنديدا بقرار الوزير ولمنع الموظفة من الدخول الى السراي.
وتفيد مصادر سراي حلبا الى “أن الموظفة المعنية سبق أن تعرضت لتهديدات لمنع دخولها سراي حلبا الا أنها لم تهتم وهي تستكمل عملها كالمعتاد غير آبهة بأي نوع من التهديد والوعيد.
ويمكن القول، إنها ليست المرة الأولى التي يثير فيها نقل موظف الى عكار بلبلة في المحافظة، إذ أثار مؤخرا نقل الوزير مولوي للموظف لقمان الكردي عاصفة في المحافظة، وذلك بسبب رفض المحافظ لبكي نقل الكردي من طرابلس الى عكار، ولكن هذه المرة ليس لأسباب طائفية بل بسبب شكاوى بحق الكردي، وعمد حينها لبكي الى تقديم إعتراض لدى الداخلية ووصلت الى حد التهديد بالاستقالة قبل أن تنطلق الوساطات وتنجح بتليين موقفه، ليلتحق بعدها الكردي بوظيفته.
لا يختلف إثنان على حجم الغبن والاهمال اللاحق بمحافظة عكار على مدار الحكومات المتعاقبة، فعكار لم تدخل يوما ضمن حسابات السلطة السياسية وهي التي أمعنت في تهميشها وحرمانها ما أدى الى إحتلالها أولى مراتب الفقر والحرمان على صعيد كل لبنان، وما زاد من حرمانها هي الفوضى الخلاقة التي تجتاح المحافظة، بسبب غياب المحاسبة والرقابة إن كان على السلطات المحلية والتي أتخمت صناديقها بالأموال يوم كانت البلاد بألف خير، واليوم باتت الذريعة موجودة لعدم القيام بأي مهام من شأنها التخفيف من الأزمة الراهنة والانهيار الحاصل، وما زاد الطين بلة هي حالة الاعتراض الكامنة جراء إزدياد الاستفزازات من قبل من يدعون أنهم حراس المدينة.
وبدا لافتا خلال الاعتصام حالة التخبط والضياع في صفوف “الثوار” والانقسام الحاد بين خطابين، الأول، هو الخطاب الطائفي من قبل أحد ثوار ببنين الذي طالب بحصة الطائفة السنية، وبضرورة إسترجاع الحقوق مقابل حصة الطائفة المسيحية وحصة الشيعة، مشددا على ضرورة إحصاء عدد المسلميين في عكار وتوزيع الوظائف بحسب العدد.
والثاني هو الخطاب الرافض للطائفية وضد السلطة والمحاصصة، حيث تدخل أحد ثوار حلبا المحسوب على الحزب الشيوعي، ليؤكد أن ثورتنا هي ضد نظام المحاصصة الطائفية والسلطة الفاسدة بكل أحزابها، لافتا الى وجود كفاءات في عكار يمكنها تبوء هذه المراكز.
وفي وقت نشطت فيه الوساطات مع وزير الداخلية، إذ تواصل رئيس دائرة أوقاف عكار الشيخ مالك جديدة مع مولوي، فسمع كلاما حاسما لجهة التمسك بالموظفة وعدم التعرض لها، خصوصا أنه يشهد لها بمناقبيتها وتفانيها في العمل.
في المقابل، تفيد مصادر مطلعة “أن نقل الموظفة وهي من الفئة الثالثة وجرى تكليفها بوظيفة في الفئة الثانية بصفة أمين سر محافظة عكار، مؤكدة أن هذه الفئات يتم توزيعها وفقا للقانون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وبالتالي هذه المناصب تشهد تغييرا كل فترة حيث تم تعيين إيمان الرافعي كأمين سر محافظة الشمال، في حين كان هذا المنصب سابقا يشغله موظفا من الطائفة المسيحية، أما في عكار وكون المحافظة مستحدثة فهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين أمين سر. (مع الاشارة أن هذا المركز بقي شاغرا لأكثر من 20 سنة في مختلف محافظات لبنان، الا أن تم مؤخرا تعيين لأمين سر محافظ في جبل لبنان وطرابلس وعكار).
وتضيف المصادر: “إن من يطالبون بالمناصفة عليهم مراجعة مرجعيات الطائفة السنية التي طالبت بالمنصب في طرابلس مقابل ترك عكار لأي موظف ترسله الداخلية، إذ أن عكار على ما يبدو ليست ضمن حسابات المرجعيات السياسية لكونها مسبقا مضمونة في الجيب، ويتم التعامل معها على أنها خزان إنتخابي لا أكثر”.