صنِّفت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان ضمن أشد 3 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وعانى لبنان عام 2021 من موجة هجرة عالية، انعكست بالأرقام والنسب على مختلف المؤسسات والقطاعات. إذ هاجر ربع مليون لبناني منذ مطلع هذا العام، وبلغ عدد جوازات السفر الصادرة في العام نفسه أكثر من 260 ألف جواز سفر حتى شهر آب، بنسبة تفوق 83 في المئة عما كانت عليه العام الماضي. وظهرت هذه النسبة علناً على شكل طوابير انتظار طويلة لآلاف المواطنين، يتنقلون بين مراكز الأمن العام للحصول على جوازات سفر.
أرقام وقراراتوتعاني مراكز الأمن العام من زحمة خانقة غير مسبوقة، وأكدّت المديرية حرصها على إنجاز المعاملات كافة في الأوقات التي تفرضها ظروف الخدمة وضغط العمل والقدرات التقنية. وشرحت أن التأخر في إصدار الجوازات في موعدها المحدد، يعود إلى أسباب تقنية تتعلق بالقدرة القصوى على طباعتها يومياً، وهي ثلاثة آلاف جواز. فيما بلغت أعداد المعاملات المقدمة في ثلاثة أشهر في كل مراكز الأمن العام، 8 آلاف طلب يومياً. وهذا عدد كبير يتخطى القدرة على إنجازها في الأوقات المحددة.
وبناءً عليه اتخذت المديرية إجراءات لتخفيف هذا الضغط، فأعلنت على صفحتها الرسميّة عن وقفها استقبال طلبات الحصول أو تبديل جوازات السفر اللبنانية البيومترية (5 سنوات) للراشدين، حتى إشعارٍ آخر لأسباب تقنية. وعادت لتؤكد استمرارها في إنجاز الطلبات، وإلغائها جوازات السفر الصالحة لسنة واحدة و 3 سنوات، وحصر طلبات الحصول على جوازات سفر للراشدين (10 سنوات) و(5 سنوات) لمن هم دوم 18 سنة.الضاحية: مركز واحد جديدوحسب شهادات أهالي منطقة الضاحية الجنوبية، يتجه المواطنون منذ الصباح الباكر حاملين الأوراق المطلوبة، في انتظار دورهم، فيقفون في طابور المواعيد. وتعطى المواعيد بعد شهر ونصف الشهر وتصل إلى شهرين. ومن ثم يتوجهون في الموعد المحدد ويحصلون على جواز سفرهم بعد حوالى شهر تقريباً. وكل من تقدموا لمراكز الأمن العام منذ أواخر شهر تشرين الثاني، عُينت مواعيدهم في كانون الثاني من بداية العام الجديد. أي أن المدة الزمنية للحصول على موعد ومن ثمّ استلام جواز السفر تصل إلى 3 أشهر تقريباً.
وتأكدت مصادر "المدن" أن مركزي الغبيري وبرج البراجنة توقفا منذ حوالى أسبوعين عن العمل وعن تلقي أي طلبات جديدة، واكتفيا بإنجاز المعاملات المقدمة سابقاً. وذلك بسبب إقفال أبواب المركزين نهائياً لدمجهما في مركزٍ واحد جديد يقع في آخر أوتوستراد هادي نصرلله.
وافتتح مركز الأمن العام الجديد الإقليمي يوم الإثنين 27 كانون الأول 2021 بحضور اللواء عباس إبراهيم. على أن تحصر طلبات جوازات السفر لأهالي منطقة الضاحية الجنوبية في هذا المركز فقط. ويتألف المركز من طوابق عدة ومن عدد كبير من الموظفين، الذين يعملون على إنجاز عدد أكبر من المعاملات، التي تصل إلى إصدار أكثر من مئة جواز سفر يومياً. ولأسباب تقنية لن تعطى مواعيد قبل الأسبوع الأول من العام الجديد، ريثما يجهز المبنى.خوف وهروب من البلادوفي حديث "المدن" مع مختار برج البراجنة، أكرم رحال، يؤكد أن أزمة جوازات السفر لم تنته بعد. فيومياً يقصده أكثر من 40 شخصاً للحصول على الأوراق المطلوبة لجواز السفر، علماً أنه لم يشهد هذا التهافت في السابق. ويقول إن هذا الإقبال أسبابه كثيرة: أهمها خوف الناس من ارتفاع رسوم جواز السفر في بداية العام الجديد، أو خوفهم من توقف الأمن العام عن إصدارها لأي سبب. وهناك أيضاً الرغبة في الهرب من أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
وبناءً على تعليمات الأمن العام، علّق رحال إعلاناً في مكتبه، يفيد أنه يقدم خدماته لأهالي منطقة برج البراجنة فقط، ولا يعطي إفادات السكن سوى للمقيمين في المنطقة الإدارية، شرط إحضار كل منهم شاهدين يعرّفان عنه.
والأسبوع الماضي لجأت الشابة رنا (25 عاماً) إلى أحد مخاتير منطقة بيروت للحصول على إخراج قيدٍ وإفادة سكن لتقدمهما إلى مركز الأمن العام في السوديكو، لتجديد جواز سفرها. ولأنها لا تملك مسكناً في بيروت، وسجل قيدها في منطقة الباشورة، تقصد دائماً مخاتير بيروت لإتمام معاملاتها الرسميّة. ولكنها فوجئت بضرورة إبرازها سند ملكية لمكان سكنها مع إفادة سكن أو عقد إيجار، للتأكد من أنها من سكان منطقة بيروت. وشرح لها مختار المنطقة أن هذه الشروط الجديدة مطلوبة بناءً على تعليمات الأمن العام، للتخفيف من الازدحام أمام المركز، وتخصيص كل مركز لأهالي منطقة محددة. فأحضرت رنا سند ملكية لمسكن خالتها في المنطقة، فهي تقيم عندها بين فترة وأخرى، وضمت السند مع إفادة السكن التي ستقدمها للأمن العام. وهذا مثال على ما ينتظر كل مواطن يسعى لإصدار جواز سفر، الذي بات "طموحاً" وطنياً.