لارا الهاشم -
مشهد السرقات المتنقّل في الداخل وعلى الحدود اللبنانية-السورية ليس أمراً غريباً على شعبٍ بات أكثر من نصفه فقيراً. فعملية السطو على فرعٍ لبنك بيبلوس في الزلقا ومن بعده على محلِّ للهواتف الخليوية في المكلّس في وضح النهار، ظاهرةٌ مرجّحةٌ إلى التفاقم. والسبب أن الدولة الغائبة عن تنظيم شؤون مواطنيها ستكون بطبيعة الحال عاجزة عن حماية أمنهم.
لكن الحادثة التي بدأت في الزلقا ليست سوى "بروفا"، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية يوماً بعد يوم وانهيار قيمة الأجور ومعها المستوى المعيشي لكلّ اللبنانيين بشكل نسبيٍّ. أمّا اللافت فهو أن عصابات السرقة التي خلّفها الفقر باتت أيضاً عابرة للحدود.
فصحيح أن من يدير شبكات سرقة وتهريب السيارات عبر الحدود اللبنانية-السورية بقاعاً مثلاً، هي رؤوس لبنانية كبرى تتسلّم السيارات عند بلدتي زيتا والحويك السوريّتين الحدوديّتين وبحماية من ضبّاطٍ في الجيش السوري. لكن المُنَفّذين في الداخل هم عناصر "عاديين" غير محميّين، يتولّون سرقة السيارات ونقلَها إلى المعابر الشرعية وغير الشرعية مقابل بدلٍ مادي.
قد يقول البعض أن هذه الظاهرة ليست بجديدة، بدليل ضبط مخابرات الجيش بالتنسيق مع الأفواج الحدودية المنتشرة في قطاع الهرمل شهرياً عشرات السيارات المسروقة. لكن اللافت هو ما تبيّن في الآونة الأخيرة عن انخراطٍ لعناصر من أجهزة أمنية مختلفة في عمليات التهريب. وفي المعلومات أن الجيش أوقف عسكريَّين عند أحد الحواجز الحدودية بقاعاً أثناء محاولتهما تهريب سيارة كما تم ضبط عسكري يسهّل مرور سيارة مسروقة عند أحد الحواجز الأمنية في منطقة حدودية. وفي هذا السياق تلفت مصادر عسكرية عبرtayyar.org إلى أن بعض العسكريين وُفّق بمصادر رزق إضافية شرعيّة تمكّنه من تحسين مدخوله، فيما جزءٌ آخر لجأ إلى الأعمال غير الشرعية مع انهيار قيمة الرواتب التي لم تعُد تكفي "للأكل والشرب" مع ما ترتّبه الأزمات من أعباء إضافية على كاهل المؤسسات العسكرية.
لكن أخطر ما في الموضوع هي الغيبوبة التي تمرّ بها الحكومة، غير آبهة بانهيار المؤسسات العسكرية التي لم يبقَ سواها صامداً في "شبه الدولة". ففي وقت يُفترض بالعناصر الأمنية مكافحة السرقات والاتجار بالممنوعات والتهريب، انخرط بعض عناصرها في العمليات غير الشرعية نتيجة الإغراءات المادية التي يقابلها فقرٌ وتدنّي مستوى الحد الأدنى للأجور إلى ما يوازي ل 24 دولار في ظل الغلاء الفاحش. أما الحكومة التي توقّع منها اللبنانيون "الانقاذ" بعد طول انتظار، ها هي تُشرذم البلاد أكثر فأكثر تاركةً الساحة مفتوحة أمام مافيات النقد والاحتكار، من دون تصحيح الأجور أو أقلّه بدل النّقل كما وعدت.
في عهد حكومة "معاً للإنقاذ" كلٌّ يغنّي على ليلاه، فيما المؤسسات تتهاوى والناس يموتون من الجوع والظلمة والصقيع.