لارا الهاشم -
يعيش القضاء حالة إرباك نتيجة التجاذبات التي فرضتها تحقيقات المرفأ.
المحقق العدلي طارق البيطار موقوفٌ عن السير بالتحقيقات بعد تبلّغه بطلب ردّه من قبل الوزير السابق يوسف فنيانوس ولو أن قانونيين يعتبرون أن للبيطار الحق بمتابعة تحقيقاته لأن قرار القاضي حبيب مزهر بالسير بطلب ردّه منعدم الوجود. فيما المحقق العدلي مصرٌّ على الالتزام بقرار مزهر القضائي على اعتبار أنه لا يُنقض سوى بقرارٍ قضائيٌ آخر. كذلك هو الأمر بالنسبة للقاضيين حبيب مزهر ونسيب إيليا، فلا مزهر قادر على البت بطلب رد إيليا لأنه تبلّغ بطلب ردّه من قبل محامي "متّحدون" ولا إيليا قادرٌ على البت بطلب رد مزهر لأنه تبلّغ بطلب ردّه من قبل فنيانوس.
إنها إذا دوّامة من الصعب الخروج منها، ظاهرُها قانوني لكن باطنها سياسيٌّ وطائفيّ. في الشق السياسي، يعتبر ثنائي أمل-حزب الله أنه مستهدفٌ في التحقيقات ويعاونه في هذه النظرية فريقٌ من القضاة المحسوبون عليه الذين يساندونهم بالحجج القانونية للانتقاد آداء البيطار. مع العلم أن سياق الاستجوابات يدحض نظرية الاستنسابية بدليل الإدعاء على ضباطٍ من الجيش اللبناني وأمن الدولة وعلى رأسهم قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. وإذا كان البعض يصوّب على المحقق العدلي من بوابة تحييده للجيش، فمصادر متابعة تؤكد ل tayyar.org أن البيطار عيّن جلسات متتالية لضباط الجيش في نهار واحدٍ من أجل مقاطعة إفاداتهم واتخاذ القرار بشأنهم قبل أن يتبلّغ بطلب ردّه يومها. وتضيف المصادر أن المحقق العدلي كان مصمّماً على استكمال التحقيق مع الضباط لكن بعد الانتهاء من ملف الوزراء-النواب قبل الدخول في العقد العادي لمجلس النواب.
لكن التصويب على المحقق العدلي مستمرٌ من دون كللٍ أو مللٍ والمتضرّرون من التحقيقات يقفون صفّاً واحداً رغم انقساماتهم السياسية. كيف لا و"المصيبة" تجمعهم وهي "مصيبة" المسّ بحصاناتهم وعروشهم العاجيّة التي ظنّوها مقدّسة، فصار هدفهم الأوحد "تطيير" البيطار. ولمّا وجد هؤلاء أن السياسة لم تفعل فعلها انتقلوا إلى اللّعب على الوتر الطائفي، فعند هذا الاعتبار تتوقّف كل الاعتبارات الأخرى.
شرخت الطائفية "العدليّة" وأدخلت تحقيقات المرفأ في زوبعة الاصطفافات الطائفية حتى بات تصنيف آداء القضاة المرتبطين بقضية المرفأ يتم على قاعدة أنهم "مسلمون" أم "مسيحيون".
هذا الشرخ الحاصل في قصر عدل بيروت تؤكده مصادر قضائية مقربة من الثنائي ل tayyar.org، معتبرةً أن الملف اكتسب بعداً طائفياً بسبب تماهي موقف الرئيس الأول سهيل عبود مع موقف رئيس الجمهورية. "وإذا كان للرئيس ميشال عون ومن خَلفِه التيار الوطني الحر حسابات سياسية مرتبطة بعلاقته بأمل وتيار المردة، فإن الرئيس الاول يقدّم أوراق اعتماده للخارج الداعم للبيطار. والدليل على إعطاء الملف أبعاداً طائفية هو إحالة عبود طلبات رد المحقق العدلي على قضاة مسيحيّين دون سواهم" دائماً بحسب المصادر.
على هذا الكلام تعلّق مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية مؤكدة أن الأخير ينطلق أولاً وأخيراً من حرصه على استقلالية القضاء والقضاة الذين لطالما أكد لهم الرئيس عون أنه مظلّتهم في وجه كل من يحاول التّدخل بعملهم، وأن دعمه لتحقيقات المرفأ هو من باب حرصه على الحقيقة.
أما فيما خص رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود فترد مصادر قضائية مقابلة بالتأكيد على أن "كل الهيئات القضائية مختلطة وأنه بإمكان أي قاض تدوين مخالفة عند الاقتضاء، غير أن مقاربة الموضوع منذ تسلّم القاضي فادي صوان التحقيقات تبيّن أن النظر بطلبات رد القضاة لم يكن محصوراً بالقضاة المسيحيين والدليل أن رئيس الغرفة التي بتّت برد صوان كان القاضي جمال الحجار. أما الحديث عن قضاة مسيحيين وقضاة مسلمين فهو مسيء للعدالة ولعمل القضاء خاصة أن توزيع الرؤساء على الغرف يختلف من منطقة إلى أخرى وعند شغور مركز قاضٍ مسلمٍ كثيراً ما يحلُّ محلّه بالانتداب قاضياً مسيحياً والعكس صحيح".
إذاً الجسم القضائي يتخبّط والمقاتلون هم من أهل البيت، فيما الحقيقة هي أن الملف بعيدٌ كل البعد عن الطائفية إلا أن "المنظومة الحاكمة المتجذّرة" تلجأ إلى هذا السلاح الفتّاك كلّما وجدت نفسها مأزومة" وفقاً لمصادر قضائية وقانونية متقاطعة.