بين المواطن ورأس الاركيلة علاقة ودّ، لا يمكن فصلهما ابداً.على وقع “نفس الاركيلة” يثبت حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي ويجدها مساحته للتعبير عن ضيقه، فيما هو لا يحرك ساكناً على ارض الواقع.
ينتفض، يثور، يعترض على انقطاع الدواء وغلاء المحروقات وينتقد جشع تجار الخضار والسلع. كل ذلك يعبر عنه المواطن افتراضياً بينما هو جالس على كرسيه يمسك أركيلته في يده وفي الاخرى هاتفه الخلوي. لا يعترض على ارتفاع ثمن كيلو المعسل الذي لامس المئتي ألف ليرة، والفحم الـ35 ألفاً، فالاعتراض هنا ممنوع. هاتان السلعتان مصدر راحته، أو تطنيشه عما يحيط به، يرفض مقاطعتهما، أدمن على اركيلته ومعها بات ينسى العالم فينفخ على همومه لعلها تنجلي.
كل ما يحدث حوله لا يجعله يحرك ساكناً فماذا لو انقطع المعسل؟ يجيب صاحب محل لبيع الاراكيل فوراً “بتقوم العالم وبتعمل ثورة”، مسجلاً ارتفاعاً كبيراً “في الطلب على الاراكيل وموادها”. ويلاحظ فادي العامل في محل للاراكيل أن “الزبون مستعد لان يدفع أي مبلغ حتى لو كان مضاعفاً، شرط نيل حاجته، لانه أدمن تدخين الاركيلة التي تنسيه همومه”.
يؤمن المواطن ببيت شعر يقول”نفخ غليونك وانسى همومك”، فلا يجدون غيرها مهرباً للنسيان، رغم ان “ارتفاع كلفة رأس الأركيلة الى 20 ألف ليرة اي ما يعادل ثلث يومية عامل في لبنان، ومع ذلك يزداد الطلب عليها بدلاً من تراجعها”، وهذا مرده بحسب فادي “الى ان الناس تحتاج لان تتنفس والاركيلة بتعبي الراس”. وماذا لو انقطع المعسل؟ يضحك فادي ويقول: “بيخرب البلد، فالناس تتخلى عن كل شيء الا عن راس الاركيلة”.
حين يدمن المواطن على الاركيلة فيعني ذلك أن الوضع ليس بخير، وأن الفقر يأكل الناس أكثر، اذ لم يبق سوى الدخان مصدر راحة وسط كومة القلق والانتكاسات المتلاحقة. حتى تشكيل الحكومة لم يعد عليهم بالمنفعة بعد، إذ شكل رفع الدعم الضربة القاضية للطبقات الفقيرة التي باتت تضرب اخماساً بأسداس لتأمين قوت يومها، وسط جنون ارتفاع الاسعار، وأضيفت اليها اليوم ازمة مواصلات وانترنت. فكلاهما مقطوع، بسبب غلاء البنزين وارتفاع كلفة النقل، وبسبب الكهرباء والمازوت، وبلغت ساعات انقطاع شبكات الارسال الخلوية لاكثر من 15 ساعة في النهار، وهو ما بدأ يشكو منه المواطن الذي عادة ما يفش خلقه على الشبكات الافتراضية، حتى هذه “ممنوعة عليه” في زمن العصر الحجري الذي دخلنا فيه بفضل سياسات الدولة العقيمة. فالناس باتت تحسب ألف حساب للتنقل بالسيارة نتيجة ارتفاع ثمن تنكة البنزين، وتخشى من الاسوأ.
ثمة ما يثير الريبة، اذ كيف يمكن للناس أن تتعايش مع ازماتها الى حد التطنيش، وتتعامل مع الغلاء وكأن شيئاً لم يكن، في حين تضج صفحات التواصل بالنق والاستياء من التجار، يدفعون ثمن نقلة المياه 200 ألف والبنزين 200 ألف والاشتراك مليوناً ويبحثون عن الدواء لساعات، ويكتفون في آخر الليل بالاعتراض على صفحات الفايسبوك. بالمختصر وكما قالت ام حيدر: “طالما المواطن بنفس اركيلته ما حدا بيتحرك.. إقطعوا نفس الاركيلة كي تثور الناس مطالبة بحقوقها”.