كل التصريحات التي تكرر الكلام الممجوج عن النية والإصرار والعمل لتشكيل الحكومة لم تعد تجد من يصدقها، فالوقائع والمماطلة تثبت العكس. وصار بحكم المؤكد أن ثمة من لا يريد حكومة ولا من يحكم، فالمثل المعروف “إلحق الكذاب لباب الدار” مشى بموجبه اللبنانيون، وتأكدوا من المؤكد. حتى الأجواء “الإيجابية” التي يتم بثّها بات الناس لا يطيقون سماعها، إلى درجة أنه حتى ولو وُلدت الحكومة اليوم فإن صدى التشكيل سيكون بحكم عدمه، إذ أن ذهنية المحاصصة التي تتحكم بالتأليف أفقدت من أي قيمة إنتاجية محتملة ولو جزئيًا، اللهم الا اذا بمعجزة تحقق ما لم يكن في الحسبان.
وفي ظل كل ذلك، هناك من لا يزال يقامر بحياة الناس ومعيشتهم. فمشهد طوابير الذل المستمرة على محطات المحروقات كاف لإظهار المدى الذي بلغته الفوضى وشريعة الغاب، بعد التهويل برفع الدعم الذي كان واجباً ان يحصل منذ أشهر. وقد تحول اللبنانيون متسولين في الليل والنهار.
أوساط الرئيس المكلف لا تزال على حذرها من التفاؤل، ولفتت في إتصال مع “الأنباء” الالكترونية الى انه “من غير المقبول ان تنفجر كل هذه الملفات في وجه الرئيس نجيب ميقاتي. ومن غير العدل أن يتحمل أوزار غيره، على الرغم من إستعداده لتلك المواجهة القاسية”. ودعت الأوساط حكومة تصريف الأعمال “للقيام بواجباتها بدل الهروب الى الأمام والإستمرار بذر الرماد في العيون”.
عضو كتلة المستقبل النائب بكر الحجيري اعتبر من ناحيته أن “البلد بأمّه وأبيه أصبح تحت إمرة رئيس الجمهورية، يلعب به كما يشاء ويتصرف على هواه”، معتبرا أنه “لا يريد تشكيل حكومة حتى لا تأتي له بوجع الرأس”. وقال الحجيري في حديثه لـ “الأنباء” الالكترونية إن “تجربة هذا الرجل تدل على تصرفاته وطريقة تفكيره”، داعيا الى “ثورة حقيقية تكون خارج إطار “كلن يعني كلن”، فما يجري هو خيانة للقسم وخرق للدستور”، ورأى أنه “يجب المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية لأنه أهان لبنان وتاريخ البلد”. كما دعا الى “استقالة مباشرة للنواب تطرح استقالة رئيس الجمهورية”.
في غضون ذلك تم أمس إطلاق بطاقة “دعم” التمويلية والتي لاقت فور الإعلان عنها أسئلة وملاحظات أبرزها من أمين سر اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن الذي أكد أن “المطلوب أن يشرف البنك الدولي على التنفيذ للابتعاد عن الاستغلال والاستنسابية”، مشددا على أن “يكون الدفع بالدولار الأميركي للحد من التضخم، وحرصاً على القدرة الشرائية”.
من جهته أبدى الخبير الاقتصادي انطوان فرح ملاحظات عدة على مشروع البطاقة. وطرح عبر “الأنباء” الالكترونية أكثر من علامة استفهام حول الخمسمئة ألف عائلة التي يمكنها أن تستفيد من البطاقة. في حين ان الرقم الحقيقي يصل الى مليون ومئتي ألف عائلة بما يوازي نصف المجتمع لن يستفيدوا بشيء. وسأل عن المعيار المتبع لاختيار نصف مليون فقط. أما السؤال الثاني فأين الجهاز الاداري القادر على تنفيذ هذه الآلية؟ مؤكدا أن هذه الآلية تتطلب جهازا اداريا كاملا، غامزا من قناة الزيارات الميدانية للمستفيدين، فهذه ايضا تتطلب مصاريف ضخمة. وهل ستنجز البطاقة في الوقت المحدد؟ ومن أين مصدر التمويل الذي سيبقى غامضا.
ولفت الى ان هناك توجساً من عملية إطلاق البطاقة في غضون الأشهر الثلاثة التي تمتد حتى آخر كانون الأول، ما يعني ان الدفع سوف يبدأ في العام 2022، فإذا رُفع الدعم كما هو متوقع فمن يغطي الأشهر التي تفصلنا عن موعد الدفع؟ وما هو مصير الخمسمئة ألف عائلة الباقية؟ مشيرا الى أن هناك كمّاً كبير من المشاكل التي تتطلب أجوبة واضحة.