أنطوان الأسمر - تتحضّر قمة جوار العراق التي تنطلق اليوم الى مواكبة واحتضان التغيرات والديناميات السياسية المتوقعة في الإقليم نتيجة بدء تطبيق ادارة الرئيس جو بايدن استراتيجيتها الخارجية القائمة بشكل أساس على تصفير الحضور الأميركي في المنطقة، والانتقال للتركيز على الخطرين الداهمين الروسي والصيني.
وإذ شكل الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وما حمله من التباسات ليست أقلها تنصيب طالبان حاكما مطلقا في سياق عودة واشنطن الى عقيدة أوباما القائمة على تفعيل الإسلام السياسي السني في مقابل الإسلام السياسي الشيعي، والإثنين معا على تخوم الصين وروسيا، فإن هذه الإستعادة الأميركية لا شك ستشكّل أحد أبرز التحديات العربية في المرحلة الآتية، وستشتدّ حتما متى أعيد إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
هذا العنوان سيكون في صلب مشاورات قمة جوار العراق بالنظر إلى موقعيته وحساسيته، وتلقّفه من أكثر من عاصمة عربية سارعت قبل أشهر إلى فتح باب لحوارات جانبية (سعودية -سورية وسعودية – ايرانية على سبيل المثال)، بفعل إدراك حجم التحولات المرتقبة لا سيما مع المتوقع من انسحاب أميركي كامل من المنطقة من البوابة العراقية.
ولم يعد خافيا أن الإستعادة الأميركية لعقيدة أوباما باتت أمرا واقعا وتنفّذ بإطّراد، تحقيقا لاستراتيجية القيادة من الخلف التي تقوم على تلزيم واشنطن تدرّجاً إدارة المنطقة الى الثلاثي التركي- الإيراني – الاسرائيلي، أي الى الثنائي الذي يشكّل رمز استنهاض الإسلام السياسي سنيا وشيعيا، جنبا الى جنب مع تل أبيب، وفي ذلك مفارقة ليس مثلها أو بعدها مفارقة.
إذن، تغلي المنطقة على نار تصغير الحضور الأميركي الى حده الأدنى، وتتوالى الحوارات الصغيرة والكبيرة للتحوط من الانعكاسات المتوقعة لإعادة الزخم الى الإسلام السياسي
الذي يشكّل في نواحيه الكثيرة التحدي الأبرز للأنظمة العربية، فيما يتلهى سياسيون لبنانيون بترهات الفيتوات المذهبية، غائصين في إزدواجية المواقف الشعبوية الرامية الى استنهاض قبلي – مذهبي منعا للمحاسبة.
1-حرم قام على ذريعة حماية موقع على حساب دماء اللبنانيين وآلامهم.
2-وحرم آخر قائم أيضا على حماية موقع في مواجهة موقع آخر، بذريعة الحفاظ على الكرامة وإلا الإحباط والثبور.
وفي هذين الحرمين المرفوعين راهنا في مواجهة المحقق العدلي طارق البيطار، وفي مواجهة الشراكة المفترضة في التأليف مع رئيس الجمهورية، أخطر مظاهر الازدواجية. يقول نادي رؤساء الحكومة السابقين بالدولة، وفي الوقت نفسه يرفع الفيتو المذهبي مستخدما أشد أنواع العبارات قبليةً، فيما الرئيس المكلف ينهي تشاورا مع رئيس الجمهورية لينضم مباشرة الى اجتماع يكيل فيه النادي شتى أنواع التهم للرئيس، وينقض على العمل القضائي في الصميم، مشرّعا الباب أمام العودة الى صنوف من العدالة القبلية بذريعة عدم الثقة بالإجراءات العدلية في إنفجار المرفأ.
وليس خافيا أن انتفاضة النادي، والحرم المذهبي اللاحق، هما في الأساس ليسا دفاعا عن رئيس حكومة نبذوه منذ تسميته وهمّشوه ونكّلوا فيه وأشبعوه ضربا وفتكا، بل استباقا للآتي، ومن بينهم إثنان سيكونان التاليين في لائحة الإستدعاءات العدلية.
كما ليس خافيا، أن العودة الى استثارة العصبية القبلية عند كل استحقاق محاسبتيّ، وصولا الى التدقيق الجنائي، فزع كل السارقين ومنظومة المافيا والميليشيا، يرمي إلى هدف واحد وحيد: القضاء على أي محاسبة بتغييب الحقائق والمسؤوليات، لا بل بتعميم المسؤولية على الجميع. وهو سلوك إجرامي في حد ذاته، لأنه تضييع للمسؤولية وحجب للعدالة.
يواجه اللبنانيون، هذا الواقع المقرف، بالإيغال في البحث عن نظام جديد يدير الإختلافات في ما بينهم وينظم التشعبّات على أساس بدء تطبيق اللامركزية الأدارية والمالية الموسعة، تلك التي حرص أمراء الحرب على وأدها 32 عاما بالتمام والكمال، رغبة في تأبيد النظام الشديد المركزية. هذا النظام طوِّع لكي يكون الحامي لمكتسابتهم الميليشوية، موفّرا أنظمة التمويل السياسي الزبائني: من المحروقات الى الفيول، من المطار الى المرفأ، من التهريب الى التهرّب، من الإتصالات الى مولدات الأحياء، بإختصار من كل قرش خزينيّ سرقوه من فجر جمهورية الطائف حتى أيامنا العصيبة هذه، حتى خلت الخزينة من فلس الأرملة.