شربل الجميل -
عام ١٩٤٩، نشر الداهية الإنكليزي جورج أورويل كتابه الرؤيويّ عن تكوّن المجتمعات السياسية المتوقّع في المستقبل بعنوان "١٩٨٤". أصاب هذا الكتاب في كل ما تنبّأه من أوتوقراطيات سياسية وأمنية وإعلامية واستخباراتية، مورداً تعابير سياسية واجتماعية Socio-political Slangs ما زالت تُستعمل حتى يومنا هذا مثل “Big Brother” الذي عنى به الديكتاتور (أغلب الظن أن أورويل وهو يخطّ هذا المفهوم كان في عقله الملك الإسباني فرانشيسكو فرانكو الذي قاتل أورويل ضده إبان الحرب الأهلية الإسبانية ١٩٣٦-١٩٣٩ في صفوف الجمهوريين الشيوعيين، ثم كتب كتاباً عن تجربته هذه بعنوان Homage to Catalonia)، ومثل تعبير Room 101، الذي قصد به "سراديب التحقيق والتعذيب"، وال "Doublethink و Doublespeak قاصداً بهما مناقضة السياسيين لخطاباتهم وتغيير المواقف ونقل البنادق بحسب المصلحة.
لم يهمل أورويل البروباغندا الكاذبة بعد أن عاشها، فأطلق تعبيراً بخصوص التضليل الإعلامي و"بروباغندا الدولة والمنظمات" هو: 2+2=5. في الواقع، اختار أورويل هذا التعبير ردّاً على البروباغاندا النازية خلال وبعد الحرب الأهلية الإسبانية، لجهة التعميم الممنهج - Stereotyping، مناقشاً في مدى خطورته لناحية غسيل الأدمغة الجماعي Select All الذي يتوخّاه هذا المنهج.
لبنان ٢٠١٩-٢٠٢١ هو مَثَل ال 2+2=5. شكلياً، لا يمكن لأحد أن يعتمد هذا المنهج إلا إذا كان يملك وسائل الإعلام اللازمة لغسيل الأدمغة. علاوة عن ذلك، يقتضي على وسائل الغسيل تلك أن تكون عالمة بالحقيقة الأصلية التي تروّج انطلاقاً من مسبباتها المفترضة أو نتائجها المفترضة، البروباغندا الخاصة بها.
مثل عملي: إذا روّج الإعلام المسيطر لنظرية "كلن يعني كلّن مسؤولون عن الإنهيار أو/وَ انفجار المرفأ"، فهذا يعني أمرين: أولاً، الإعلام المروّج يعلم بالحقيقة الأصلية لأنه يروّج ضدها (لأنه لا يمكن أن يكون الجميع مسؤول عن هكذا كوارث في وطن مقسومة مرافقه بين الزعامات السياسية، ومن ضمنهم المرفأ والمالية العامة ومصرف لبنان). ثانياً، إن تكبير المسؤولية بغية توزيعها على عدد كبير من الجهات يخفي الجاني الأساسي والمركزي، فيتنعّم بنسبة صغيرة من المسؤولية، يتساوى فيها مع البريء وغير المتورّط وحتى غير العالم.
حذار من اعتماد وتصديق ال "كلّن يعني كلّن"، الذي قد يضلل الحقيقة إلى حين، لكنّها ستحوز يومها وستلمع وتتلألأ في عين الشمس. المهم أنه حين تتلألأ أن يبقى من سيصدقها، ولن يصدقها سوى أصحاب المناعة بوجه غسيل الأدمغة والبروباغاندا، أما من سيسقط في امتحان الحقيقة فهم لعمري: ضعاف العقول، شذاذ الآفاق، كائنات الأحقاد، من تخطى مرحلة من العمر أصبح بالتالي بعدها من شبه المستحيل عكس طريقة تفكيره وتحليله للوقائع وفلترته للأخبار.
حذار، يكتب أورويل، "من أن تحوز الأقلية المسيطرة على وسائل الإنتاج الإعلامي على الحقيقة الصافية، فتروّج لعكسها، لتصدق الأكثرية الحقيقية المزيفة، فيولد مجتمع يعوم على الكذب، يسبح على الشائعة، ويبني على الزيف، فيحقق عندها ال Big Brother نصره...ولو إلى حين".
حذارِ.