من المتوقّع أن يُجري مصرف لبنان اليوم تحويلات بقيمة 100 مليون دولار، ويعطي موافقات مسبقة للشركات المستوردة للأدوية كي تستأنف استيراد الدواء. فهل يشهد سوق الدواء انفراجاً قريباً؟ وهل هذه المبالغ المحوّلة كافية لتلبية حاجة السوق؟ وماذا عن وضع مخزون الدواء المتوفر؟
رغم تطمينات وزير الصحة حمد حسن بأنّ أزمة الدواء في طريقها نحو الحل، يبدو انه لا تزال هناك بعض التحديات التي ستحول دون إشباع السوق بحاجته من الدواء في الفترة القريبة. فالاتفاق على تخصيص 40 مليون دولار للامراض المستعصية والمزمنة هو مبلغ زهيد نظراً الى ارتفاع أسعار هذا النوع من العلاجات، خصوصاً ان هناك انقطاعا تاما لغالبيتها من الأسواق. اما الدواء غير المدعوم فليس افضل حالا، إذ إنه رغم مساعي الوزير لتسعيره بـ«التي هي أحسَن»، نِسبةً لقدرة المواطن، الا انّ فارق الدولار بين التسعير المحدّد بـ13 الفاً ودولار سوق السوداء بـ20 الفاً أوقَف استيراده لنخلص الى نتيجة واحدة: ازمة الدواء باقية ولا انفراجات في المدى المنظور.
في هذا السياق، يقول نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة انه طالما مصرف لبنان يقوم بالتحويلات اللازمة لتسديد مستحقات شركات الادوية في الخارج التي باتت كبيرة، وطالما انه يعطي موافقات مسبقة لشحنات أدوية الى لبنان، يمكن القول انّ توفير الادوية يسير باتجاه الحَلحلة، لكن الانفراج لا يتأمّن بضربة واحدة بل يجب ان يكون بشكل دائم إذ لا يكفي إتمام التحويلات اليوم فقط انما يجب ان يكون ذلك بصورة مستدامة. ولفت جبارة الى انّ ديون الشركات المستوردة للدواء تبلغ 600 مليون دولار بينما اعلن وزير الصحة ان قيمة الموافقات على التحويلات تبلغ 100 مليون دولار، 50 مليوناً منها فقط تم تسديده لشركات الادوية العالمية أي اقل من 10% من المستحقات، فهل هذا يُعد إنجازاً؟ كذلك تم إعطاء موافقات مسبقة لشحنات ادوية بقيمة 30 مليوناً، ولقد وُزّعت على الأسواق ما ان استلمناها. واليوم تمت الموافقة على دفع ثمنها، ما يعني ان الأموال المرصودة التي يتحدث عنها الوزير حسن هي لشحنات ادوية سبق واستوردناها وحصلنا على موافقات مسبقة لشحنها وبيعت في السوق اللبنانية قبل ان نقبض ثمنها لانه كان هناك نقص حاد بها في السوق، أي بمعنى آخر هذه الـ100 مليون دولار هي لأدوية بيعًت وليس لشراء ادوية جديدة.
وعن تطمينات الوزير حسن بأنّ ازمة الدواء باتت على طريق الحل اعتبارا من اليوم، قال جبارة: ان التطمينات التي يبثها الوزير حسن تأتي بعد انقطاع تام عن الاستيراد، فنحن منذ شهر أيار الماضي لم نستورد حبة دواء، بحيث انه كانت السوق في جمود تام. أما اليوم وبعد هذا التصريح، يمكن القول انه عاد الاهتمام بالملف ولم يعد متروكاً، وإذا اتّضَح ان هذا التحرك سيكون بشكل دائم بحيث يتم الدفع وإعطاء موافقات مسبقة على وتيرة أسبوعية، عندها يمكن ان تستعيد الشركات العالمية ثقتها بلبنان وتستأنف ارسال الادوية وتأمين احتياجاته. فكلام الوزير حسن لا يعني مطلقا ان الأمور حُلّت، وانه اعتبارا من اليوم ستتوفر كل الادوية في الصيدليات انما هناك تحرك إيجابي يُبنى عليه. وشدّد جبارة ّعلى ان معالجة المستقبل تتطلّب أولاً معالجة الماضي، او العالق مع الشركات المستوردة للأدوية.
ولفت الى ان هذا التحرك الخجول ستواكبه الشركات المستوردة للأدوية بشحنات ادوية يحتاجها السوق، صحيح انها لن تكون كافية إنما نُراهن على استمرارية إعطاء الموافقات لبداية تصحيح مَسار توفير الدواء بعد جمود تام.
وأوضح ان ليس المطلوب اليوم تسديد الـ600 مليون دولار دفعة واحدة ولا هذا الذي تشترطه شركات الادوية، إنما المطلوب إظهار وتيرة جدية في التعاطي تكون مستمرة.
وأكد ان أزمة الدواء لن تنتهي بين يوم وآخر، خصوصا ان السواد الأعظم من الادوية ما عاد متوفراً في لبنان، فلن يحصل اننا سنصحو ونجد ان كل الادوية باتت متوفرة انما تأمينها يتم تدريجاً، فكلما تسارعت وتيرة الدفع وإعطاء الموافقات المسبقة كلما تزايد وصول شحنات الادوية الى لبنان وتوفرت بشكل اسرع، مشدداً على ضرورة ان يحصل هذا التحرك بشكل منتظم وليس الاكتفاء بإعطائها مرة واحدة فقط؟
الادوية المدعومة
من جهة أخرى، أوضح جبارة ان الادوية التي ستكون مدعومة من قبل مصرف لبنان هي التي تتعلّق بالامراض المزمنة والمستعصية فقط، اما لائحة الادوية بهذه الامراض فوضعتها الوزارة وفق ما تراه من الأولويات والافضليات، فنحن نقدّم لائحة بالادوية التي سنستوردها والوزارة تختار صنف الدواء الذي سيكون مدعوماً، وذلك ضمن ميزانية شهرية حُدّدت بـ 40 مليون دولار بالاتفاق بين مصرف لبنان ووزارة الصحة. ورأى جبارة انّ هذا المبلغ زهيد جدا نظراً لأنّ الادوية المستعصية باهظة الثمن، مُرجّحاً ان يستحوذ هذا النوع من الادوية على الحصة الأكبر، على ان يبقى جزئية صغيرة جدا لأدوية الامراض المزمنة.
أما بخصوص الادوية غير المدعومة فالاستيراد متوقف تماماً. وعزا ذلك لأنّ وزير الصحة سَعّرَ الدواء غير المدعوم وفق سعر دولار 13 الفا بعد ان كان 12 الفا، بينما سعر الدولار في السوق السوداء هو بحدود 20 الف ليرة للدولار، الواحد. فأيّ مستورد سيُقدِم على شراء الدولار من السوق السوداء بـ20 الفا ليبيعه بـ13 الفا؟! واوضح جبارة ان عقدة الادوية غير المدعومة لا علاقة لها بمصرف لبنان انما بكيفية تسعيرها في وزارة الصحة، لذا نرى انّ هناك انقطاعاً لأصناف الادوية هذه، لافتا الى ان المستوردين يريدون الاستيراد لتأمين الادوية المفقودة انما الآلية الموضوعة غير قابلة للتطبيق، وهم بانتظار ان يتراجع سعر الدولار في السوق السوداء الى 13 الفاً كي يستأنفوا عملهم.
اما عن ادوية امراض السرطان المقطوعة، فقال: إذا كانت دفعات مصرف لبنان ستتم بشكل دائم ومستمر فيمكن عندها ان يُتاح استيراد ادوية السرطان المقطوعة حالياً او غيرها من أدوية الامراض المستعصية.