لارا الهاشم -
لا يقتصر وجع أهالي عكار على الشهداء الذين سقطوا في الانفجار الكارثي وعلى الأشخاص المفقودين. ففي المستشفيات أرواح تتعذّب وتموت كلّ يوم ألف ميتة بعدما نخر الحريق أجسادها. في أسرّة مركز الحروق الكبرى في مستشفى الجعيتاوي الجامعي ينام إثنا عشرة جريحاً في حالات حرجة بعد وفاة شخص ونقل آخر إليها من مستشفى رفيق الحريري الجامعي مساء الثلاثاء. معانات هؤلاء لا توصف ومعظمهم موضوعون تحت تأثير المخدّر لئلأ قدرة لهم وهم في كامل وعيهم على تحمّل الأوجاع. فالنيران التهمت أكثر من خمسين بالمئة من أجسادهم والحروق استقرّت على درجة ثالثة، ما يعني أنها تجاوزت طبقات الجلد السطحية ووصلت إلى العضل.
حال الضحايا يدمي القلب وبعضهم يعيش على أجهزة تنفس اصطناعي لأن الحريق قد طال القصبة الهوائية. المدير الطبي في المستشفى الجعيتاوي د. ناجي أبي راشد يقول عبر tayyar.org أن حال الجرحى خطرة ودقيقة جداً علماَ أن الفرق الطبية والتمريضية وضعت كلّ طاقاتها في تصرّفهم. "فمركز الحروق الرائد في لبنان ودول الجوار كالعراق وسوريا والأردن، يتمتّع بالخبرة الواسعة ومجهّز بالطاقات البشرية المدرّبة وبالمعدّات". وفي هذا الإطار يؤكد أبي راشد أن المستشفى أخذ عهداً على نفسه بتأمين أفضل عناية طبية للجرحى الذين وقعوا ضحية الكارثة الإنسانية في عكار وعليه سبق واستحدث فور وقوع الإنفجار غرفاً للحروق وغرف عناية فائقة لاستقبالهم لحظة وصولهم.
أما علاج الحروق البليغة فعملية طويلة الأمد وصعبة على أصحاباها ومكلفة بالنسبة للمستشفى في ظل الأزمة المالية الراهنة. فتعافي الجرحى استشفائياً في المرحلة الأولى (بمعزل عن زراعة الجلد وعمليات التجميل اللاحقة) يستغرق ثمانية أسابيع على الأقل والعلاج يستلزم حقن المريض بأمصال عدة خلال النهار الواحد إضافة الى حقنات Albumine في العروق وكريمات وأدوية خاصة ومضادات حيوية بسبب الالتهابات التي تتسبب بها الحروق البليغة وتبديل ضمّادات، هذا عدا عن العمليات والعلاجات الجانبية التي قد تطرأ نتيجة الإصابة. أحد ضحايا انفجار عكار مثلاً، وصل إلى المستشفى بحالة حرجة جداً استدعت إعادة إنعاشه لابقائه على قيد الحياة بعد توقّف القلب وعملية التنفّس، وهو يخضع اليوم لغسيل كلى.
كلفة المريض الواحد يومياً هي 800 دولارfresh . فالعلاج يتطلب إضافة إلى ما سبق وذكرناه، إبقاء المرضى في العناية المركزة ومراقبتهم على مدار الساعة. وبالتالي فان الكلفة الإجمالية لثمانية أسابيع هي بحوالى ال 550 ألف دولار والمشكلة أن الدولة التي تطبّب مرضى الحروق على عاتقها لم تبدّل تعرفة التغطية الاستشفائية منذ زمن. فالجهات الضامنة تغطي مليون ليرة يومياً من كلفة استشفاء المريض لأول ثلاثة اسابيع ومن ثم تنخفض التغطية إلى 750 ألف ليرة فقط، أما باقي الكلفة فيقع على عاتق المستشفى. يأتي هذا التحدي ليضاف إلى الأزمة المالية التي ترزح تحتها المستشفيات وكارثة انقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية، وهو ما يحتم الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الكبيرة بين الكلفة الفعلية والتعرفة المحدّدة من قبل الدولة.
فصحيح أن مستشفى الجعيتاوي قد تعهّد باستكمال العلاج حتى النهاية وبأعلى جودة، لكن ذلك يحتاج إلى عناصر متمّمة للمجهود الطبي. مركز الحروق تلقّى هبات من الصليب الأحمر الدولي واليونيسيف وغيرها وتقدمات من مستوردي المستلزمات الطبية. لكن ذلك لن يكفي سوى لعشرة أيام وعليه فمن واجب الدولة إيجاد سبل سريعة لتعويض الفوارق التي سيتكبدها المستشفى. فالأخير كسواه ينازع اليوم نتيجة الانهيار المالي وهؤلاء الضحايا يذوقون الأمرّين بسبب فشل الدولة، التي أوصلت شعبها إلى التجمّع والاقتتال من أجل الحصول على تنكة بنزين.