«الحاجة أم الاختراع». تحت هذا الشعار، تحاول المؤسسات العسكرية والامنية التكيّف مع الظروف القاسية، والصمود في مواجهة أزمة اقتصادية هي الأصعب والأسوأ في تاريخ لبنان.
لا تُميّز آلام المعاناة الحالية بين مدني وعسكري، بل لعلّها أشد وطأة على العاملين في السلك العسكري والأمني، حيث القوانين الصارمة تحول دون إيجاد موارد أخرى لهم، بحيث لا تبقى من خيارات بديلة في مواجهة هذا الواقع سوى الفرار الذي لا يعدو كونه هروباً الى الامام، في اعتباره مشكلة إضافية وليس حلاً.
واذا كانت «الداخلية» تُعتبر أم الحقائب و«تاج» الوزارات السيادية، واذا كان هناك تَنازُع سياسي حاد على هذه الحقيبة ساهمَ في عرقلة تشكيل الحكومة حتى الآن، فإنّ ذلك لا يُلغي الحقيقة الأخرى الموجِعة وهي انّ الوزارة باتت خالية من «الدسم» الى حدّ كبير، وانّ رياح الضغوط المعيشية والاجتماعية لفحت بقوّة العاملين فيها، خصوصاً عناصر قوى الأمن الموزّعين على أجهزتها ودوائرها، والذين لم يعد بمقدورهم شراء حاجتهم من الطعام اليومي نتيجة الارتفاع الهائل في الأسعار، لا سيما بالمقارنة مع رواتبهم المتآكلة التي انخفضت قيمتها الشرائية بشكل كبير على وَقع صعود سعر الدولار.
وتجدر الاشارة الى أنّ تأمين التغذية في مؤسسة قوى الأمن الداخلي يقع على عاتق أفرادها أنفسهم، خلافاً للقاعدة السارية في الجيش الذي يُعنى هو بطَهي الطعام وتوزيعه على عسكرييه.
وما يزيد الطين بلّة هو انّ عناصر الجيش وقوى الأمن يجدون أنفسهم مضطرّين، أحياناً كثيرة، على مواجهة «شركائهم» في المعاناة والقهر من المُحتجّين الذين أصبحوا لا يختلفون عن أصحاب البذة المرقّطة الّا في الثوب فقط، بعدما أذابَ الانهيار أيّ فوارق أخرى بينهم.
وإزاء تصاعد وتيرة الازمة الاقتصادية وتفاقم أعبائها على عناصر قوى الأمن، قرّر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي منذ نحو 3 أسابيع إطلاق مطبخ في الوزارة، يتولى تقديم الوجبات المجانية خلال فترة الغداء الى العناصر والموظفين المدنيين الذين يخدمون في «الداخلية» تحديداً.
ويركز المطبخ على تحضير طعام صحي مثل «اليَخاني» التي كانت تُطهى في البداية من دون اللحم بسبب كلفته الباهظة، قبل أن تتحسن الأمور لاحقاً مع مبادرة أحد فاعلي الخير قبل ايام الى تقديم «هبة» من اللحوم إلى «الداخلية»، وسط توصية من الضابط المُشرف على المطبخ بضرورة ترشيد استهلاك الهِبة أطول وقت ممكن.
ويتكوّن المشروع من المطبخ وغرفة طعام مجاورة، أمّا المعدات فقد تم استحضارها من معهد قوى الأمن الداخلي. ويضم فريق الطهاة عناصر في الوزارة من حملة شهادات الفندقية، والذين «فَجّروا» مواهبهم الكامنة بطبخات نالت إعجاب رفاقهم.
وكانت تقديرات القيّمين على المشروع ترجّح عند انطلاقه أن يصل عدد «روّاد» المطبخ الى 70 يومياً، إلّا انهم فوجئوا بأنّ الإقبال كثيف عليه وبأنّ الرقم ارتفع الى 100.
وبينما تقتصر خدمة المطبخ مبدئياً على تقديم الغداء حصراً، تتوسّع الوجبة أحياناً لتضمّ شيئاً من «التَحلية» ربطاً ببعض المبادرات الخيّرة التي يمكن أن تُسجّل من وقت الى آخر، كما حصل أخيراً حين أهدى أحدهم «الداخلية» كمية من الحلاوة.
ويُشار الى انّ معظم المواد والمنتجات التي يستخدمها مطعم «الداخلية» في تحضير وجباته إنما تستند الى تبرعات وتقديمات من أصدقاء وداعمين لسلك قوى الأمن الداخلي، علماً انه قد يُطلب لاحقاً من الضباط التبرّع بمبالغ شهرية تُحدد نسبتها تِبعاً للرتبة، بغرض دعم الصندوق المالي للمطبخ.
وانطلاقاً من نجاح الفكرة، بدأ المسؤولون في الوزارة بتوسيع «حقل التجارب» شيئاً فشيئاً مع السماح لعنصر يجيد مهنة الحلاقة بأن يقصّ شعر زملائه مجاناً أيضاً، بعدما أصبحت زيارة «الصالون» باهظة الثمن في هذه الأيام بالنسبة إلى أفراد السلك الامني.
وضمن سياق متصل، يجري البحث على مستوى «الداخلية» ايضاً في إمكان تنفيذ مشروع آخر يشمل منح وحدة غذائية تتضمن عدداً من المواد والسلع الى كل عنصر يطلب الح