في بيروت، في المدينة الغريبة عن كل مدن العالم بتاريخها وجغرافيتها، لا تلتقي الاحداث عند مفترق تلاقي الزمان بالمكان انما هي تحدث عند مفترق تلاقي المآسي بالمآسي، كأن تاريخ هذه المدينة كتاب من صفحة واحدة، هي صفحة المصائب الكبرى. فبوابة لبنان والشرق... مرفأ بيروت...
توقف فيه الزمن كلما لاح في افقه امل، كأن القدر والبشر على عهد ان لا يعرف هذا الوطن ربيعاً، فغيومه كلها سواد، وامطاره تراكم من دمع ودمّ.
قد تتعدد فرضيات الحدث الجلل، من المؤامرة الى الإهمال الى عمل تخريبي مقصود ولكن تبقى النتيجة واحدة، عمر بحاله يتغيّر او ينتهي بنقطة دمّ على آخر سطر الألم.
بيروت اعتادت القيام من كبوتها، لكن كارثة المرفأ قد تترك جراحاً لا تندمل مع تداعيات انسانية واقتصادية وسياسية تحفر آثارها على جدار ذاكرة التاريخ المعاصر.
فعلى صعيد الفعل بحدّ ذاته، لم يصل تحقيق في وطننا الى خاتمة الحقيقة. فعلامات الاستفهام اكثر بكثير من الاجوبة الواضحة التي تضع الحقيقة في نصابها. وكل باب من ابواب التأويل والتحليل مفتوح على الف اجتهاد ما هو الا وليد مصالح سياسية او اقتصادية او امنية.
كثر اولئك الذين يعرفون من اين تؤكل الكتف في زمن الصعاب، لتحويل المأساة الى فرصة استفادة جديدة، وهم اما افراداً او جماعات بأقنعة مختلفة، والمستفيد الأكبر يبقى من هو بالخارج يتربّص بتاريخ هذا الوطن ومستقبله، مذ كان دّرة الشرقين حتى يسلبنا كل حقّ في الحياة التي، وبرغم قساوتها، تنبعث من لجّة الظلمات كشعاع نور يضيء عتمة الجهل واليأس والموت. فألف عدو يذرّ في عيوننا الرماد لكننا من رمادنا سنحيا.