شربل الجميل-
تصغر وجوديات الدنيا في عينيك عندما تقرأ الخبر التالي، عصر يوم الفاتح من آب: "وصلت صباح اليوم إلى مطار بيروت الدولي طائرة محمّلة بـ ٧٠ طناً من المواد الغذائية المقدّمة هبة من سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى الجيش اللبناني." خبر كفيل بتعكير باقي هذا اليوم عليك، ويدحرج دمعة على وجنتك تواكبها شتيمة عفوية بحق عِجاف الأيام.
لسنا بوارد الإمعان في التقديس ولا الإيغال في بعض السرديات الشعبية حول عصمة الجيش؛ كما لن نتوه في شاعرية الأول من آب...الذي داهمنا لهّاباً هذا العام عبر الخبر أعلاه، فالجيش مكوّن من أفراد والأفراد يصيبون ويخطئون...ويحتاجون.
واقعتان من شأنهما الإختلاج حزناً وذهولاً كل ما نُشر خبرٌ عن حاجة ملحة للجيش: الأولى تعود إلى بدايات معركة نهر البارد عام ٢٠٠٧، والخبر الذي تم تسريبه من مصدر عسكري أن كل دبابة في الجيش، على قلّة أعدادها سنتذاك، لا تمتلك سوى ثمان قذائف، والمعركة قيد التوسع، والنقص كارثي. الواقعة الثانية، وتعود إلى أشهر عديدة خلت، حول انعدام امدادات البروتيين من لحوم بيضاء وحمراء للثكنات والقطع المنتشرة!
يحور المرء في كيفية تفسير هاتين الواقعتين. فإذا كان الجيش على لائحة الڤيتو الأميركية من اقتناء أسلحة نوعية تقارع أسلحة العدو الإسرائيلي، فإنه بالتأكيد ليس ممنوعاً عليه اقتناء ذخيرة مدافع الدبابات، والدليل الجسر الجوي مع قاعدة أميركية في قطر الذي أمد الجيش بتلك الذخيرة وسواها بُعيد انطلاق المعارك.
من جهة أخرى، وبعد الإطلاع على عدد الأراضي التي يمتلكها الجيش، يتساءل الغيارى عن سبب عدم تخصيص بعض تلك الأراضي لتأمين الإكتفاء الذاتي الغذائي للجيش والأجهزة الأمنية عبر منشآت زراعية وحيوانية (دواجن وماشية)، من شأنها إن ازدهرت، أن يتحول فائضها إلى السوق المحلية!
يوجد في الجيش قسم للتخطيط، مهمته الإستشراف واستباق الأزمات واستنباط الحلول قبل بروز المشاكل، فهل هذا القسم مُفعّل؟ وإن كان مُفعّلاً هل كان يقوم بواجبه في هذا الإطار؟ وإن كان يقوم بواجبه فهل من سميع ومُجيب على دراساته؟!
لعلّ خطوة القوات الجوية "لبنان من فوق" فاتحة مرحلة جديدة للجيش، تجعله مؤسسة منتجة مالياً، مؤسسة مستقلة منيعة بوجه الحاجة، ما يعزز منعتها بوجه الأخطار والتحديات في هذا الشرق الأوسط اللعين الحافل بالإضطرابات والحروب المستعرة مع وقف التنفيذ، ما يفرض التخطيط الدائم والإستعداد الدائم والإكتفاء الدائم، وصولاً إلى المرحلة العليا من الإشباع، ألا وهي إدارة الإحتياطي.
عيد الجيش هو عيد الشهداء والجرحى والبسالة واستذكار المآثر ورص الصفوف دون شك، لكنه أيضاً يجب أن يكون عيد الواقعية والرؤيوية بعيدة المدى، كيلا يحتاج هذا الجهاز المناعي الحاضن إلى معونة خارجية للصمود، فيوطّد معنوياته بنفسه، ويُعلي حصن شكيمته دون منّة.