أنطوان الأسمر -
بعد غد الإثنين، ينتظر القصر الجمهوري ما سيحمله الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من تلاوين حكومية، وربما بعض توزيعات إسمية.
يلمس زوار القصر والمتصلون المحليون والأجانب نفحات من التفاؤل والإرتياح تحيط برئيس الجمهورية العماد ميشال عون الراغب في قفل هذا الملف على النهاية المرتجاة: حكومة السنة الأخيرة القادرة على بدء التصحيح والتعمير وتدارك الإنهيار.
صحيح أن ليس كل ما يلمع ذهباً، لكن الطرائق الميقاتية تأتي الى الآن بما فشلت طرائق الحريري في تحقيقه. فالأسلوب هو الرجل Le style c"est l"homme même. العبارة التي نقشها قبل 3 قرون، الكاتب الفرنسي جورج لويس لوكلير المعروف بالـ Compte de Buffon.
يدرك ميقاتي هذا الواقع. أصلا، لم يتأخر في الإفصاح عنه في إطلالته التلفزيونية يوم الخميس. قال بوضوح إن "أسلوبي يريح الرئيس عون". هو بذلك عَنى الفارق في المقاربة والأسلوب والشكل والمنهجية، بينه وبين الرئيس سعد الحريري.
ما جانب الرئيس المكلّف الصواب. واقع يدركه الجميع ويتلمّسه رئيس الجمهورية ويبني عليه للوصول الى تفاهم يسهّل الولادة الحكومية، ويقطع الشك باليقين.
الى الآن، النقاش الحكومي بين الرجلين قائم على النية الحسنة البائنة، وعلى الرغبة المشتركة في تأليف حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة محليا ودوليا في مقدمها التدقيق الجنائي في مصرف لبنان (بند أول في المبادرة الفرنسية)، ولا تقتصر مهمتها على إدارة الإنتخابات النيابية، على نسق ما يريده البعض من تقزيم لدور الرئيس العتيد للحكومة وحجب أي إنجاز عنه، تخوّفاً وتلبّكاً وتطيّراً.
هنا تحديدا، تكمن مسؤولية ميقاتي في تحصين دوره ورئاسته، من الأقربين والأبعدين على حد سواء. وهو إن تسرّع قليلا في تلقّف نصيحة جبران باسيل بألّا يقع ضحية خامسة للحريري، يدرك أن صديقك من صدَقك، لو أن الصدق في السياسة عملة نادرة، ويدرك في عمقه أن النصيحة تقع في محلها.
أسرع السبل وأقصرها وأدقّها الى الحكومة، العودة الى التوافقات التي حصلت زمن سعد الحريري، وفق مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري. يومها خُطّ إتفاق ناجز على 3 ثوابت، قبل أن ينسفه الحريري بالمسوّدة التي قدمها يوم 14 تموز، ومَنَّ على رئاسة الجهورية بمهلة الـ24 ساعة:
1-رئيس الجمهورية يسمّي وزير الداخلية، ورئيس الحكومة المكلف يسمّي وزير العدل.
2-وزيران مسيحيان في حقيبتين غير أساسيتين، يُسمَّيان وفق آلية واضحة تجنّبهما أن يُحسبا على أي من الأطراف.
3-الثقة تكون نتاج توليفة الحكومة وبيانها الوزاري وما تخترن من قدرة على الإصلاح والإنجاز. إذن الثقة هي حصيلةٌ لا فضيلة، نتاجٌ لا إستحقاق.
في اللقاءات الرئاسية الثلاثة، أفصح الرئيس ميقاتي عن رغبته في أن يحتفظ بوزارة الداخلية للسنّة، وأن تؤول إليهم وزارة العدل كذلك، على أن يسمّي مستقلين، هما تباعا اللواء ابراهيم بصبوص والدكتور غالب صبحي المحمصاني. هو بذلك يضع مسعى بري جانبا، ويضفي تشويقا على مآل المشاورات الرئاسية.
قال انه لن يُقدم على تثبيت المداورة في الوزارات السيادية الأربع طالما أن الثنائي الشيعي يتمسك بوزارة المال، وهي للتذكير عصب أي حوار إنقاذي مع الخارج. كما أبدى إهتماما بوزارات الإقتصاد والطاقة والإتصالات، والثلاث على تماس مع المتطلبات الدولية، من حوار مع صندوق النقد الى محاولة إحياء مقررات مؤتمر سيدر الذي يا للمفارقة أجهضته الحكومة نفسها التي سعت جاهدة اليه، ونُظّم على شرفها.
تحمل مقاربة الرئيس المكلّف، لا شك، زحلاً بسيطاً والقليل من الإزورار، لكن في السياق القابل للنقاش والتصحيح طالما النية الحسنة تطغى.
تنتظر بعبدا ما سيحمل ميقاتي بعد غد، متّكئة على الحسنى، والأرجح على قواميس اللغة التي تُعرِّف الميقات بـ "الوقت المضروب للفِعل"، و"الموضع الذي جُعِل للشيء يُفعل عنده".
والميقاتي لا تنقصه الجرأة ولا القدرة على الفعل وعلى الضرب في الموضع الصحيح!