خُفّض الدعم عن المحروقات ورُفع عن جزء من الادوية، وحلّق الدولار ليرفع معه أسعار كافة السلع والمواد، وذلك قبل تفعيل البطاقة التمويلية للفقراء أو حتّى ايجاد مصادر تمويل لها، وقبل بدء استفادة المواطنين من قرض البنك الدولي لتمويل برنامج الأسر الاكثر فقراً.
يعتبر المجلس المركزي في مصرف لبنان، انّ رفع الدعم بشكل كامل عن كافة السلع المستوردة، إن كانت المحروقات أو الدواء او المستلزمات الطبية وغيرها، ضرورة ملحّة، لم يعد بالإمكان التغاضي عنها، مشدّداً على انّ المجلس يرفض رفضاً قاطعاً المسّ بالتوظيفات الإلزامية للمصارف، وهي العملة الصعبة الوحيدة المتبقية للبنك المركزي، بهدف مواصلة سياسة الدعم المفروضة على مصرف لبنان من قِبل الطبقة الحاكمة.
وقالت مصادر البنك المركزي لـ«الجمهورية»: «منذ آب 2020 ونحن نراسل الحكومة والقوى السياسية، ونحثها على ترشيد الدعم، إلّا اننا لم نُواجه سوى بالضغوطات لفتح اعتمادات للاستيراد المدعوم، تارة للفيول، لاننا مهدّدون بالعتمة، وتارة للمازوت لاننا مهدّدون بالموت». وسألت: «هل فتح اعتماد لباخرة مازوت اليوم لإنقاذ الموسم السياحي، هو الحلّ؟ ماذا عن الفصل الدراسي القادم؟ ألن نحتاج الى المزيد من المازوت أيضاً؟».
وقالت لـ«الجمهورية»: «انّ تحميل مصرف لبنان مسؤولية الأزمات الحاصلة اليوم من انقطاع في المازوت، والادوية وغيرها من السلع بسبب التأخير في فتح الاعتمادات، يعود الى تملّص الحكومة والقوى السياسية من قرار تحرير الاسعار، وهو أفضل الحلول الاقتصادية المتاحة اليوم، من اجل توفر كافة المواد في السوق والحفاظ على ما تبقّى من دولارات»، لافتة الى انّ تحرير الاسعار سيحدّد سعر الصرف الحقيقي لليرة في السوق. وفيما ذكرت المصادر انّ هذا الامر سيؤدي حتماً الى ارتفاع اسعار الاستهلاك، ويؤثر سلباً على الطبقة الفقيرة، قالت، انّ «مسؤولية السلطة والحكومة التعويض على تلك الطبقة من خلال البطاقة التمويلية او غيرها، وليست من مسؤولية مصرف لبنان مساعدة الفقراء، بل هو مولج الحفاظ على ما تبقّى من اموال المودعين». وسألت المصادر: «لماذا لم نعد نسمع تحذيرات من قِبل نقابة المحامين وبعض القوى السياسية حول عدم المسّ بالاحتياطي الالزامي؟ ألم تعدّ التوظيفات الالزامية امانة لدى البنك المركزي؟ ألم يعد هذا الامر ضرورياً اليوم؟».
ولفتت المصادر الى انّ «مصرف لبنان كسلطة نقدية، وفي غياب اي نوع من الاصلاح، استبق عملية رفع الدعم واصدر التعميم 158 للتعويض نوعاً ما على أصحاب الودائع المحتجزة، من خلال تحرير 400 دولار شهرياً بالدولار وما يوازيها بالليرة، تماشياً مع الزيادة في اسعار كافة السلع بعد رفع الدعم، إلّا انّ الحكومة لم تصدر لغاية اليوم أي بديل عن رفع الدعم للطبقة الفقيرة».
أين أصبحت البطاقة التمويلية التي أقرّها مجلس النواب، ولماذا لم يصدر بعد مرسوم آلية تطبيق قانون البطاقة التمويلية من قِبل وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد؟ علماً انّ الدعم على المحروقات قد تمّ تخفيضه وارتفعت الاسعار حوالى 30 في المئة، كما انّ الدعم على جزء كبير من الادوية قد تمّ رفعه وزادت اسعارها أضعاف الاضعاف؟ فهل انّ رفع بدل النقل في القطاع العام والخاص سيكون البديل فقط عن رفع الدعم؟
في هذا الاطار، أوضح المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي لـ«الجمهورية»، انّه يتمّ البحث عن مصادر تمويل للبطاقة التمويلية لغاية اليوم، وللمنصّة الخاصة بها، لافتاً الى وجود صعوبات لوجستية في هذا الاطار، خصوصاً بعد ان منع القانون استفادة المواطنين من برنامجين في الوقت نفسه. واشار الى انّ برنامج الأسر الاكثر فقراً المموّل من البنك الدولي محكوم باتفاقية معيّنة وآلية معقّدة لتحديد الأسر المستفيدة من البرنامج، بينما البطاقة التمويلية غير محكومة بهذه الآلية ومبنيّة على الاستثناء، اي انّ كافة الاشخاص غير المستفيدين من برامج أخرى مؤهّلون للحصول على البطاقة باستثناء الميسورين.
ولفت الى انّه لا يمكن بعد استثناء كافة المسجّلين للاستفادة من برنامج الأسر الاكثر فقراً وهم أكثر من 400 الف عائلة، لانّ معظمهم قد لا يكون مؤهّلاً للبرنامج.
وقال أبي علي، انّ برنامج الأسر الأكثر فقراً لم يستفد منه أحد لغاية اليوم، لانّ قرض البنك الدولي لم يتمّ تحريره بعد، ومن المفترض ان يدخل حيّز التفعيل في الاسبوع المقبل، حيث يمكن البدء بعملية التدقيق في معلومات العائلات المسجّلة من خلال القيام بزيارات ميدانية للتحقق من المعلومات الواردة في الاستمارات. لافتاً الى انّ التأخير في تفعيل هذا القرض مردّه الى تعديل شروط العقد من قِبل مجلس النواب، مما استوجب اعادة التفاوض مع البنك الدولي والحصول على موافقة مجلس أمنائه في واشنطن، بالاضافة الى وجوب ابرام الاتفاقية مع البنك الدولي من قِبل وزارة المالية، وحسم مسألة التدقيق من قِبل العمال الاجتماعيين في وزارة الشؤون الاجتماعية.