اما وقد تكلّف الرئيس نجيب ميقاتي خلافاً للإرادة الشعبية المرفقة بشكوكٍ عديدة تحوم حول مصداقية الرجل وعلاقته في مشاريع تفوح منها رائحة فسادٍ لم نتيقّن منها قضائياً بعد وان كانت معممّة بقوة بين الرأي العام.
الدخول في التفسير والتعليل والتساؤل حول الأسباب التي أملت اختيار ميقاتي لرئاسة الحكومة صعباً لأن اي محاولة للإستيضاح يعيدنا في شكلٍ او آخر الى عقم هذا الدستور الذي يحتاج الى حقنات خصوبة كي توّلد مواداً حيوية تكون اكثر انصافاً وعدالةً لشعبٍ لم يعد يتكيّف مع طبقة موتورة وغير مثمرة تشوب جيناتها الكثير من نقصان "الكروموزوم" الذي يجعلها تنتج جنيناً غير مكتمل النمو او غير قابلٍ للعيش.
في زمن الوجود السوري لعب السوريون دوراً دستورياً افتى في موادٍ حيث كان يعجز الطائف عن تفسير نفسه حين يحتدم الخناق بين ما كان يعرف بالترويكا وحيث لم تكن الثغرات في ضعف الطائف يؤثر كثيراً في إنجاب الحكومات العتيدة او اختيار رؤساء الحكومات ورؤساء المجالس النيابية لأن الأب الراعي كان يتمتّع بالقوة والصحة الكافية كي "يفقّس" الطبقة السياسية التي يرغبها والمطواعة التي لا تحيد عن الخط المرسوم لها من قبل الراعي الأكبر.
اما وقد خرج السوريون منذ زمنٍ ، بدأ يتضّح للفرقاء المحليين في الممارسة السياسية عن شوائب تسود بنود الطائف التي تحتمل الكثير من التأويل والإجتهاد عوض عن التفسير غير الملتبس.
المؤسف في المشهد السياسي الحالي ان اي محاولة لتطوير بعض بنود الطائف يعتبرها الشريك السنّي في الوطن انتقاصاً من صلاحيات الطائفة الكريمة ويشاركه الخوف ايضاً الشريك الشيعي مخافة عدم تحصيله مستقبلاً ما يحصل عليه اليوم بقوة العرف وقوة الحجة النبيهية اذ يبقى بين الإثنين الطرف المسيحي الحلقة الأضعف نظراً لتآكل صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال الحّد من دوره القادر على الحسم خصوصاً زمن الأزمات والثورات.
اليوم الإستشاري الطويل الذي انتهى بتكليف ميقاتي رئيساً ب٧٢ صوتاً خير دليلٍ على تكليفٍ لا يحظى ضمناً برغبة رئيس الجمهورية وان ابدى حرصاً في التعامل مع رئيس يسمّى من قبل النواب ويتّم بمعزلٍ عن رغبة الرئيس او عدمها. اذ ان صلاحيتا تعيين رئيس الحكومة او حلّ مجلس النواب لو بقيتا في يد رئيس الجمهورية كما كانت قبل الطائف، هل كان ليسمح ميشال عون في تفاقم هذا الأزمة عوض ان يستجيب لمطالب شعبه. لذا ايُّ فعلٍ مستقبلي يجب ان يصّب في استرداد هاتين الصلاحياتين من اجل الإنتظام العام و من اجل تمتين العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وليس انتقاصاً من السنّة اذ ان التجارب السابقة في الحكم قبل الطائف بينّت ان الوفاق والوئام بين الإثنين كان أنجع وأنقى من اليوم.
لبنان يحتاج الى "وصفة" اقتصادية وسياسية ودستورية جامعة تقودنا الى علاجٍ لداءٍ يعصف بالوطن الصغير منذ نشأته، وعسى ان يكون الدواء هذه المرة شافياً وليس مجرّد مسكّن يخفّف من الوجع دون ان يستئصل المرض.