في ظهيرة يوم رطب من شهر (حزيران)، تأرجح منزل عائم برفق على قناة أكسفورد، حيث كانت راسية خارج قرية ليتل بورتون، التي بالكاد يمكن رؤيتها على الخريطة.
اتخذت راشيل بروس وزوجها، كريس هول، هذه البقعة الشاعرية في شمال غربي لندن منزلاً لهما لبضعة أيام، حيث كانا ينظران من داخل قاربهما «غلينريش 5» في القنال، إلى الحقول الواسعة ويسمعان هفيف الرياح حيثما هبّت تلاعب الأعشاب الخضراء الطويلة.
ولكن حان الوقت لاكتشاف بقعتهما القادمة. لذلك؛ حررت مرساة القارب، وأبحرت السيدة بروس (31 عاماً) بعيداً عن الضفة. وانطلق قاربهما في عجلة من الإبحار السريع وهو يمر عبر البوابات الخشبية والحديدية للقناة.
قامت مجموعة من البط الصغير بالسباحة في مياه القناة على شكل حرف V. وانطلق رواد قوارب الكاياك، متجاوزين قاربهم بسرعة كبيرة. وأطل اللون الأصفر الزاهي من أزهار الحوذان عبر الأعشاب العالية النابضة بالحياة في الطريق المحاذية للماء لجر القوارب.
قالت بروس عن اختيار الزوجين منذ بضعة أسابيع التخلي عن الحياة الساكنة المملة والبدء في إبحار هادئ عبر شبكة القناة الإنجليزية «نشعر أننا اتخذنا قراراً جيداً جداً بشأن حياتنا في الوقت الراهن».
في أعقاب جائحة فيروس كورونا، يعيد المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم تقييم أوضاعهم المعيشية، وبمرونة أكبر بفضل العمل عن بعد. وفي بريطانيا، يختار المزيد من الناس زيارة هذه القنوات، ووصفها – مع القوارب الضيقة التي كانت تبحر بها – بأنها منازلهم.
وكانت هذه القنوات ذات يوم عبارة عن شبكة واسعة لنقل السلع عبر البلاد، ثم تشق طريقها عبر المناطق الريفية في بريطانيا، ثم تنتقل في طريقها عبر مراكز البلدات والمدن. ولكن بعد استبدالها بالقطارات والطرق السريعة، سقطت الممرات المائية في حالة سيئة.
ولكن منذ ستينات القرن الماضي، استؤنف العمل الجاد على هذه القنوات وأصبحت شائعة في رحلات الاستجمام. وبالنسبة للعديد من الناس، أصبحت جاذبية تحويل عطلات نهاية الأسبوع، أو الرحلات التي تستغرق أسبوعاً، إلى نمط حياة دائم للتنقل أمراً لا يقاوم.
وقد اشترت تانميم حسين (46 عاماً)، وهي معلمة قيادة السيارات، ووالدة لأربعة أطفال يعيشون في شمال لندن، منزلاً عائماً هذا الصيف. وشعرت بأنها لن تكون قادرة أبداً على امتلاك شقة أو منزل في لندن، وجعلها الوباء حريصة على الخروج من المدينة على أي حال.
وقالت «قررت أن أكون مغامرة فقط، وأن ألقي بنفسي في شيء ما، وأن أرى كيف سوف تسير الأمور». وفي الوقت الحالي، حافظت على منزلها المؤجر في لندن وتقضي عطلات نهاية الأسبوع على متن القارب، تبحر مع عائلتها من قرية إلى قرية.
بالنسبة لبروس وهول، فإن ضغوط العمل، وصراع الصحة النفسية، والوفيات في العائلة خلال السنة الماضية، جعلتهما يشعران بضرورة التغيير. وبالإضافة إلى ذلك، لطالما أرادا أن يهربا بعيداً عما بدا يشعرهما بالرتابة والسأم.
قال هول (32 عاما) «منحتنا كل ظروف السنة الماضية هذا الاندفاع الأخير نحو الحافة. وشعرت وكأن القيام بذلك يعيد إلينا نوعاً من السيطرة قليلاً».
في غضون أسبوع من معاينة قاربهما الأول، قاما بشرائه، ملتزمَين بالتخلي عن حياتهما الرتيبة في لندن لما يقارب عشر سنوات، وتحويل القارب الفولاذي بعرض 6 أقدام وطوله 50 قدماً – والذي يسمونه «غلين» – إلى منزلهما الدائم. وسددوا 48 ألف جنيه إسترليني (أو ما يساوي 58 ألف دولار) ثمناً له.
وعلى الرغم من أن القارب يعمل بالديزل، فإن الزوجين يقولان إنهما يستعملان كميات أقل من الوقود الأحفوري والموارد الأخرى مقارنة بما كانا يستهلكانه في لندن. وقالا، إن هذا أيضاً جزء من التجربة الجديدة. ولديهما لوحان شمسيان لتشغيل الثلاجة والإلكترونيات الصغيرة، وجهاز توجيه شبكة Wi – Fi للاتصال بالإنترنت، ولعمل السيد هول مستشاراً في التكنولوجيا.
الحياة على متن القارب ضيقة ولكنها مريحة، مع مساحة صغيرة للجلوس بجوار موقد يحرق الخشب، تحفه أصص نباتات الصبار، ومجموعة من ألعاب الطاولة في متناول الأيدي. وثمة مطبخ صغير عليه موقد مسطح للغاز يبعد خطوات قليلة عدة. وعلى مسافة من هيكل القارب هناك الحمام الذي يحتوي على مرحاض صناعي. وفي مؤخرة القارب توجد غرفة النوم، مع سرير مزدوج وخزانة ملابس صغيرة.
يقابل تجار التجزئة في القوارب المزيد من المشترين لأول مرة مثل بروس وهول، ويقولون إن انتشار الوباء كان عاملاً في ذلك.
يقول آدريان داوسون، مدير المبيعات التنفيذي لدى شركة «ويلتون مارينا»، المطلة على قناة غراند يونيون في نورثهامبتونشاير «لقد أصبحت القوارب ملاذاً صغيراً حقاً أثناء جائحة فيروس كورونا – العيش على متن قارب صغير والنأي بالنفس عن معتركات الحياة».
يقول صندوق «كانال ريفر ترست»، المسؤول عن ألفي ميل من الممرات المائية عبر إنجلترا وويلز، إن هناك الآن نحو 35.130 قارباً يشقون طريقهم عبر قنوات البلاد أكثر مما كانت عليه الأمور في ذروة الثورة الصناعية.
الحياة على زورق القناة السريع ليست كلها رومانسية. إذ تحتاج خزانات المياه إلى الملء، كما تحتاج النفايات إلى التفريغ، كما أن ضيق الأرصفة يعني ضيق مساحة الرفاهية والترف.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يتعين على أصحاب القوارب، الذين ليس لديهم مرساة دائمة، أن يتحركوا كل 14 يوماً ويسافروا لمسافة 21 ميلاً على الأقل في السنة، بموجب قواعد صندوق «كانال ريفر ترست».
وفي لندن، حيث كانت المنازل العائمة منذ فترة طويلة بديلاً ميسور التكلفة لترتيبات المعيشة الأكثر تقليدية، احتج مالكو القوارب في يونيو على القوانين الجديدة التي يخشون أن تطردهم من منازلهم، عارضين بعض التوترات التي تعتري الممرات المائية مع تزايد ازدحامها.
ثم هناك مسألة الشتاء الصغيرة: فإن القنوات التي تعلوها الثلوج، والأسطح الزلقة، والبقاء دافئين أثناء الإبحار هي من ضمن التحديات.
وتعاني بروس وزوجها هول من آلام تذكرهما بأن عضلاتهما لم تعتد بعد على هذه الحياة بصورة كاملة. ونظراً لأنهما غير ملمين بأعمال صيانة القوارب والملاحة، فقد كان منحنى التعلم لديهما شديد الانحدار، وكانا يعتمدان على المنتديات الإلكترونية والكتب الإرشادية في الحصول على المساعدة.
قالت السيدة بروس «شعرت بالرعب قليلاً عندما اشتريت قارباً فولاذياً بمحرك وأنا لا أعرف شيئاً عن هذه الأمور. ولكن في اللحظة التي شعرت فيها بالخوف قليلا صرت أقول لنفسي: «هذا ما أحتاج إليه في حياتي».
لقد لاحظا بعض الانقسامات في عالم الإبحار في القنال – على سبيل المثال، عندما قام زوجان أكبر سناً مع قارب لامع وجديد بالتصرف بطريقة خرقاء بينما كانا يشقان طريقهما بصورة غريبة بعض الشيء عبر البوابة.
ولكنهما وجدا أيضاً مجتمعاً مزدهراً من عشاق الإبحار بالقوارب الذين يتماثلون في طريقة التفكير ويسارعون إلى تقديم خبراتهم.
قالت السيدة بروس «أشعر أننا جميعا لدينا على الأرجح شيء مشترك. كما تعرف: نحب القنوات للسلام والهدوء، وعدم استنشاق رائحة الهواء الملوث. وأن تكون قادراً على سماع أصوات الطيور عندما تجلس لتناول الشاي».