لطالما كانت للترويقة اللبنانية لا سيما الترويقة البلدية نكهتها وميزتها، ولطالما تحدّث الجميع في لبنان وخارجه عن المأكولات اللبنانية وتلك البلدية التي تصنعها ربات المنازل في البيوت؛ ويتم اقتناؤها كمونة صيفية وشتوية للعائلات اللبنانية. ولطالما تفاخر أهل الشمال لا سيما أهالي القرى في عكار والضنية؛ بما يملكون في هذا الصدد، وبقدرتهم، لا سيما النسوة، على تصنيع المؤونة الغذائية والمأكولات البلدية من لبنة وجبنة وقريشة وشنكليش ومربى وزيتون… وجميع أنواع المكونات البلدية التي تدخل في ما يعرف بـ “الترويقة اللبنانية”. ويعتمد أهالي القرى في تحضير هذه الأمور على تربية الأبقار والدجاج والتي تشتقّ منها معظم هذه المأكولات بالإضافة إلى المزروعات والشجريات التي يملكونها في بساتينهم، من زيتون وتين وعنب ومشمش وسواها. ويشتري العديد من العائلات في القرى والمدن هذه المصنوعات للإستعمال اليومي، لا سيما في الترويقة” أو حتى العشاء الخفيف.
لكنّ البلدي كله أصيب بانتكاسة هذه الأيام، إذ لم يعد بمقدور الكثير من العائلات شراء هذه المصنوعات بالنظر إلى ارتفاع أسعارها الذي قوّض قدرة أي عائلة على تحمّلها. أسعار المصنوعات البلدية في محلات السوبرماركت أصبحت أغلى بكثير أيضًا مما سبق. تقول عايدة سالم، وهي ربّة منزل من عكار: “في الحقيقة هناك الكثير من المأكولات تخلّينا عنها في ترويقتنا التي كانت تحوي كل شيء من لبنة وجبنة ومرتديلا وفول وبيض وكل ما يخطر في البال. الأسعار هذه الأيام تخطّت حدود المعقول، فسطل اللبن تخطى سعره الـ 50 ألف ليرة وعلبة اللبنة تخطّت الـ 50 هي الأخرى سواء المصنوعة في البيوت أو حتى المعامل، وصارت ترويقتنا جود بالموجود شوية زيتون وما تيسّر”.
من جهتها، تشير السيدة سمر عثمان (تصنع مونة بلدية في منزلها في الضنية) الى أن “الناس تستغلي الأسعار هذه الأيام. أنا أبيع مرطبان مربى المشمش وزن 1 كيلوغرام مثلًا بـ 40 ألفاً والفريز بـ 70 ألفاً علماً أن أسعارها في السوبرماركت أكثر من ذلك وليست بنفس الطعم والجودة، وتكاليفها علينا عالية، إذ يكلفني كيلو مربى الفريز تحضيراً ومكوّنات أكثر من 40 ألف ليرة”.
من جهة أخرى فإن الكثير من المعلبات قد زادت أسعارها أضعافاً وصار المواطن يمرّ من قربها في السوبرماركت مرور الكرام ليس إلا. فعلبة الفول المدمس وزن 300 غرام قد ناهز سعرها الـ 16 ألف ليرة لبنانية؛ بينما علبة التونة قد وصل سعرها أخيرًا إلى 26 ألف ليرة وهذا كله في الإرتفاع ما قبل الأخير للدولار عندما وصل إلى 19 ألف ليرة فما بالك الآن؟!
ثمة عائلات شمالية ولبنانية بطبيعة الحال قد خلت موائدها من الكثير من الأطعمة وصارت ترويقتها التي كانت تتفاخر بها؛ عبارة عن بعض الزيتون مع قليل من الزعتر ليس إلا. أما البيض فحدّث ولا حرج. كرتونة البيض في السوبرماركت تخطت 40 ألف ليرة؛ في حين أن البيضة البلدية الواحدة في القرى تباع بألفي ليرة.
ومن منا ينسى الترويقة القروية اللبنانية (لبنة وجبنة وزيتون على أنواعه، فول، بيض مسلوق، مربى، زعتر، وغيرها الكثير). إن مثل هكذا ترويقة باتت فوق قدرات العائلات. نعم بالتأكيد هناك عائلات براداتها فارغة من الأطعمة ويعلم الله وحده كيف تدبّر أمورها… تخيّل إلى أين وصلت الأمور في لبنان وخسر الناس الكثير من قدرتهم الشرائية ولسان حالهم يقول ما قالته لنا المواطنة عليا الصالح من عكار: “هيدا وقت نبقى نضل عايشين مش وقت نِتفكوَن بالأكل لأنو أصلًا مش بقدرتنا”.