لارا الهاشم -
اذا صودف مروركم أمام محطة وقود من دون أن تروا الناس يذلّون أمامها داخل سياراتهم، قد تظنّون أنكم لستم في لبنان. بسحر ساحر يتبدّل مشهد طوابير الذل ويطفو البنزين، و"لا مين فهم ولا مين دري". لكن ما هو مؤكد أن ثمة مهرّبين متواطئين مع موزعين، يسرقون محروقاتكم المدعومة وأموالكم ليحققوا أرباحاً طائلة. ففيما أنتم تذلّون وتموتون كلّ يوم هم وعائلاتهم ينعمون بالدولارات وبالرفاهية، وفيما أولادكم يحرمون من أبسط مقومات العيش، لربما لا علم لأولادهم أن الحياة تبدّلت منذ عام ونيّف في لبنان.
ما من شيء عصيّ على هؤلاء المهرّبين. فكلما أقفلت لهم الأجهزة الأمنية الباب دخلوا من الشباك ووجهتهم الأخيرة هي سوريا مروراً بالهرمل مهما تبدّلت النوافذ. في الشمال وتحديداً في عكار يبدأ خط التهريب من فنيدق ومشمش وصولاً إلى مرجحين في الهرمل أما في البقاع وعلى الرغم من إقفال الجيش اللبناني المدخل الأساسي إلى بعلبك عبر اتخاذ اجراءات مشدّدة عند حاجز حربتا، إلا أن تكتيكات المهربين لم تنفذ. فمن أجل تلافي التفتيش، يعمد المهربون على الالتفاف على الاجراءات عبر مداخل فرعية مروراً بطرقات جردية. والطريق الفرعي إلى الهرمل الأكثر ولوجاً من جهة البقاع صار يبدأ من بلدة شعت الواقعة خلف حاجز حربتا بحوالى الثماني كيلومترات. من هناك يكمل المهرّبون طريقهم باتجاه نبحا والقليله وصولا إلى جرود برقا قرب دير الأحمر ثم عيناتا الأرز فعيون أرغش وتصبّ صهاريج المحروقات في النهاية مجدداّ في الهرمل لتدخل الأراضي السورية. هناك يبيع التجار صفيحة البنزين مثلا بضعف سعر الشراء وذلك إما عبر الغالونات وإما عبر الأنابيب الممدودة أرضاً لجر البنزين والمازوت بعيداً عن عيون الجيش اللبناني. فالطرقات الداخلية متفرّعة بشكل كبير والجردية منها وعرة وشاسعة ما يجعل من السيطرة عليها بالكامل مهمة مستحيلة، على الرغم من الكمائن التي ينصبها الجيش اللبناني للمهرّبين. وعلى حد قول مصادر عسكرية، فان مراقبة كلّ تلك الطرقات تحتاج إلى جيش بأكمله.
لكن ما همّ المهرّبين إن كانوا موزعي محروقات أم تجاراً. فهؤلاء يستفيدون ويجنون ال fresh dollar على حساب كل اللبنانيين. لا يكفيهم شراء المحروقات مدعومة وإدخالها بطريقة غير شرعية إلى سوريا، وإنما أيضاً يحرمون أهالي البلدات الحدودية الذين تدخل كميات معينة بطريقة شرعية إلى قراهم على أساس حاجتهم. وهذه الحاجات يتم تحديدها بموجب لوائح إسمية صادرة عن فرع البقاع في مخابرات الجيش إلى وزارة الاقتصاد التي تحيلها إلى الجمارك اللبنانية التي ترفعها بدورها إلى الموزعين الأساسيين. اللوائح التي يتم التدقيق بها عند حاجز حربتا مع وصول كل صهريج تحدد حاجة كل محطة في قطاع بعلبك-الهرمل. بنتيجة هذا التنظيم انخفضت الكميات التي كانت تدخل إلى الهرمل والقاع والقصر من 1800 صهريج مازوت شهرياً إلى 236 ومن 300 صهريج بنزين شهرياً إلى 176. هنا يروي صاحب محطة في الهرمل ل tayyar.org أن الكميات التي باتت تصل إلى بلدته محدودة بسبب خشية الأجهزة الأمنية من أن يتم تخزينها ومن ثم تهريبها عبر الحدود. لكن ما يحصل في الحقيقة أن كميات البنزين والمازوت التي تدخل الهرمل بشكل شرعي، تفرّغ في محطات معروفة، ثم تتولى صهاريج أخرى نقلها إلى الداخل السوري أو عبر أنابيب.
بأي حال لا يمكن لأي عاقل أن يتخيّل أن كل هذه الأعمال المافيوية تمر من دون حماية أو حتى تواطؤ من جهات نافذة وهنا تقول المصادر أنه ليس بوسع الجيش وحده أن يوقف التهريب عند تلك الحدود الشاسعة وإنما المطلوب هو ألا تسلّم الشركات إلى الموزعين أكثر من حاجة السوق الاستهلاكية، حتى ولو أن عملية التهريب انخفضت بعض الشيء بعد ما صارت المحروقات مدعومة على أساس ال 3900 ليرة لبنانية.
في الموازاة ترى مصادر متابعة أن المسؤولية الأساس تقع على عاتق الموزعين لا الشركات المستوردة التي تحقّق أرباحاً طائلة بأساليب أخرى عبر الاستيراد، وسط معلومات عن أن الكميات المصرّح عنها من أجل فتح اعتمادات لها في المصرف المركزي هي أقل من تلك المستوردة فعلياً. هذه الشكوك دفعت بالمهندس فوزي مشلب إلى اقتراح تركيب عدادات ذكية على خزانات البنزين والمازوت قبل عام وذلك لقطع الطريق على أي إمكانية تلاعب بالكميات من قبل شركات المراقبة. الطرح رفعه المدير العام للجمارك يومها بدري ضاهر لكن الشركات المستوردة رفضت وللمفارقة فقد تبيّن أن تلك التي تتولى مهمة المراقبة هي نفسها المتورطة بملف الفيول المغشوش. هذه القضية تفتح نافذة أخرى وهي كمية الثروات التي تراكمت منذ سنوات في أيام السلم واستكملت في أيام الحرب الاقتصادية على عينك يا دولة، حتى أدت إلى دمار وطن.