لعل نهار ٢٢ اوكتوبر ١٩٨٩ كان يوما حافلا وصاخبا لم يعطي الوقت للمشاركين لمراجعة هذا الاتفاق.
ولعل جلسة التصديق عليه في ٤ نوفمبر ١٩٨٩ لم تكن هادئة هي ايضا، ولم تسنح الفرصة والوقت لأي من ال٥٨ شخصية لقراءة نصوص هذا الاتفاق مرتين.
ولربما من نصّ الإتفاق، إسترسل في كتابته وكان على عجلة من أمره لتناتش وسحب صلاحيات الرئاسة الأولى وتقسيمها بين الرئاسة الثانية والثالثة.
ولكن وكما هو معلوم فإن العجلة من الشيطان...
فصحيح أن اتفاق الطائف قد نجح نجاحا باهراً بتهميش دور رئيس الجمهورية وتجريده من أية قدرة على الحكم باستقلالية وتكبيله بمهل دستورية وإمضاءت لا مهرب منها، إلا أنه نسي هفوات وفجوات لم يستطع أحد ملئها إلا رجل واحد! رجل عرف عورات هذا الاتفاق وما ضمرت كلماته من خبث في طياتها...
نعم، انه ميشال عون...
ميشال عون، عرف ان البنود الفضفاضة لهذا الاتفاق ستترك من الالتباس ما قد يشعل حرباً ويطفئ أية معركة اصلاح لبناء الدولة.
ويا للصدف! ها هو اليوم، يتفنّن باستغلال بنوده المبهمة لاعادة دوره وإرساء دعائم حكم لرئاسةٍ لم يبقَ من هيبتها إلا صورة معلقة على الحيطان في الدوائر الرسمية.
لم يتجرأ قبله أي رئيس لفرض معادلته أو حتى تكوين صوتٍ داخل مجلس الوزراء.
فكما قالها وبالفم الملآن رئيس مجلس النواب: "لا يحق لرئيس الجمهورية أن يدلي بصوته داخل مجلس الوزراء فكيف له أن يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة؟"
واستهجن بيان رئاسة مجلس النواب كيف لهذا الرئيس أن يتمرّد على اتفاقٍ أرادوا منه التنكيل والتهميش والاستئثار بالسلطة؟
كيف له أن يطالب بتسمية وزراء وهم سمحوا له أن يترأس جلسة مجلس الوزراء فقط من دون إعطائه الحق بالتصويت؟
كيف له أن يتأخر بالدعوة للإستشارات النيابية الملزمة ومطالبته بمعرفة مصير التأليف قبل التكليف؟
كيف له أن يبقي أية تشكيلة وزارية معلقة لديه من دون إمضائها؟
نعم، إنها معركة وجود.
ولمن يأس وتعب واستسلم، ترك، هاجر أو خان...نقول له..
في دولة عاب فيها الفساد واستشرى، وتآكلت مفاصلها واهترءت تحت وطأة الطائفية والزبائنية والرشوة... لا أمل إلا باللعب من الداخل، وتفخيخ الفجوات وتفكيك شبكات مافيا الدولة العميقة.
وكما هي الحال اليوم: تطهير الجسم من الخلايا السرطانية قد يقتل بعض الخلايا السليمة. وعلى الأغلب، فإن العوارض الجانبية تنهك الجسد وتهدّ الروح وتضعف الإيمان لحد تمني الموت...
ولكن، بعض العلاجات تشفي...والبعض الأخر يغلبها الخبيث...
فهل خبثاء الوطن سيتغلبون عليه؟
ابراهيم شعيا.