لم يسلم قطاع واحد من القطاعات المهنية من الأزمة الاقتصادية، وإن كانت الأضرار تتفاوت بين القطاعات. صحيح أن بعض المهن تحاول اليوم التأقلم مع تبعات الأزمة لضمان الحدّ الأدنى من الاستمرار، إلا أن في المقابل مهناً تكاد تفقد وجودها اليوم مع فقدانها القدرة على «الوقوف»، من بينها اختصاص العلاج الفيزيائي. فمشكلة هذه المهنة أن معاناتها ذات طرفين: من الأزمة الاقتصادية التي أفقدت العاملين في القطاع القدرة على شراء معدّاتهم في وقت تدهورت قيمة رواتبهم الشرائية، ومن أزمة كورونا التي أوصلت حاملي هذا الاختصاص إلى آخر «نفس»، مع حمل مسؤوليات أكبر، خصوصاً في ظل تسريح الكثير من العاملين في هذا المجال وتحميل الأعمال الإضافية للمتبقّين منهم. علماً أن لهذه المهنة دوراً مهماً وأساسياً في التدخّل في كلّ الأمراض ومعظم المشاكل الصحيّة التي يتعرّض لها الإنسان، وكذلك الحوادث الطارئة والمستجدّة.
لهذين السببين، فإن القطاع حالياً «في أسوأ أحواله منذ تأسيسه»، بحسب عضو نقابة العلاج الفيزيائي في لبنان الدكتور حسين ذياب، عازياً ذلك إلى «الانهيارات» التي يعانيها، انطلاقاً من «انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، مروراً بانهيار قيمة الرواتب التي نتقاضاها والتي فقدت قدرتها الشرائية بسبب الغلاء الفاحش الذي طاول كل مجالات الحياة، وصولاً إلى انهيار قيمة العقود – المنخفضة أصلاً – مع الجهات الضامنة وشركات التأمين»، كل ذلك أدّى إلى «إغلاق الكثير من المراكز والعيادات المتخصّصة، وما ينتج عن ذلك من تسريح للعاملين فيها». مع ذلك، لا يملك ذياب رقماً نهائياً للإقفالات، إذ أن «اللائحة تزيد في كل يوم، ولا يبلّغ البعض في بعض الأحيان النقابة».
العلاج الفيزيائي يدخل في معالجة كل الأمراض وليس ترفاً
أما تبعات الأزمة، والتي يضعها المعالجون الفيزيائيون في خانة «المهمة»، فهو تراجع مستوى المهنة، بسبب «عدم القدرة على المشاركة في المؤتمرات الدولية والورشات التدريبية الدورية، سواء تلك التي تُعقد في الخارج أو في لبنان، والتي تهدف إلى تحسين الكفايات والمهارات لدى العاملين». ويوضح أحد المعالجين أن فرصة التطوير «تكاد تصبح معدومة بسبب الكلفة العالية التي ندفعها للمشاركة، والتي تُسعّر بالدولار الأميركي أو ما يوازيه بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف السوق السوداء».
من هنا، يصرّ ذياب، كما كلّ العاملين في القطاع الصحيّ، على إنصاف العاملين في القطاع بتحقيق مطلبٍ أساسي، وهو «تعديل القوانين والتشريعات التي تنظّم عمل المهن الحرّة كي تتلاءم مع المتغيّرات الكبيرة التي طاولت المجتمع وتحدد أدوارهم وتحفظ حقوقهم وتؤمّن استمراريتهم النوعيّة». ويطالب هؤلاء باستحداث ضمانات معيّنة لهذا القطاع، كـ«الضمان الصحيّ لأفراده، خصوصاً بسبب خطورة عملهم واحتكاكهم المباشر مع أشخاص مرضى ومصابين، ما قد يعرّضهم لكثير من الأمراض». وهذه برأي، ذياب، «فضيحة» أن يستمر هؤلاء بلا ضمان ولا ضمانات.
أما نقيب قطاع العلاج الفيزيائي، الدكتور إيلي قويق، فيذهب أبعد من ذلك، مطالباً بعقد «مؤتمر إنقاذي» كي لا تندثر المهنة، كما غيرها من المهن الحرة، والتي يتعامل معها البعض وكأنها ترف، فيما هي أساسية في التدخل في معظم الأمراض.