ُعقد في بيت الوسط عصر أمس لقاء مطول جمع الرئيس المكلف سعد الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين فؤاد
السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام، خصص للبحث في تقويم المرحلة وحصيلة الإتصالات الجارية منذ فترة، والتي سبقت الأزمة السائدة وتلتها والمعوقات التي حالت دون أن تحقق مبادرة بري هدفها، وخصوصاً السعي الى النتيجة الإيجابية التي أرادها، ومعه كثير من الأطراف اللبنانية والوسطاء الديبلوماسيين، و ُعلم أن الرؤساء ثمنوا مبادرة بري.
وفيما لم يصدر أي بيان عن هذا اللقاء، تحدثت المصادر عن أجواء سلبية سادته عند البحث في النتائج التي ترتبت على
المساعي الجارية، مضافة الى ما هو متوقع من الإنعكاسات السلبية لأي خطوة غير محسوبة النتائج أياً كان مصدرها،
ولذلك بقيت الإجتماعات مفتوحة على كل مستجد.
يستفيد الحريري من شد العصب السنّي بعد تكتل طائفته حوله وقطع الطريق على أي مرشح سنّي آخر لن يقبل حكما بالمغامرة داخل بيئته. ولا يجرؤ على القفز فوق المعركة التي يخوضها الحريري تحت عنوان التصدي للنيل من الطائف وعودة المسيحيين الى فترة ما قبله. ويخدم الواقع الحالي الحريري ويناسبه في خوض معركته سواء لناحية صلاحيات رئاسة الحكومة أم لناحية الإستعداد للانتخابات النيابية، بدليل خفوت أصوات السنّة التي كانت تزايد عليه. يرتاح الحريري لوضعه سنيّاً على أبواب الإنتخابات ولن يخطو خطوة باتجاه الحكومة تفاقم أزمته مع السعودية. وبات واضحاً أن الحريري يستجيب لنصيحة البعض له بألا يشكل حكومة طالما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يمنحه الضوء الأخضر بعد
، وكذلك ، ورغم ذلك فهو لن يعتذر لأسباب عدة من بينها أن خطوة كهذه ستُعّد هزيمة له وربحاً لباسيل
بالنسبة لرئيس مجلس النواب الذي لن يرضى حكماً تفريغ الساحة لباسيل. وإذا حصل وقرر الحريري الإعتذار، فلن يكون ذلك إلا بالتنسيق مع بري وبالتوقيت الذي يناسبهما.
التطورات الأخيرة جاءت لمصلحة الحريري، فإعلان بري إصطفافه الى جانبه، وصولاً الى خطابه السياسي الذي
أكسبه عطفاً سنيّاً كبيراً، ألغى الآخرين على الساحة السنيّة، فهو ثبّت نظرية المرشح الأقوى والأوحد واضعاً "هزيمته في اطار هزيمة أهل السنة في لبنان"، ومتكلاً على دعم لا متناه من دار الفتوى. أعطى الحريري نفسه مؤخراً منشطات وجرعات دعم تمحو صورة الخروج المذل من السلطة، وفق مصادر سياسية، فالإعتذار مؤجل لوقت طويل بناء على رفض من أجنحة "المستقبل" وتيارات أساسية في الطائفة تعتبر خروج الحريري إنكساراً للطائفة وتراجع دورها، وبالتالي، فإن الحريري كما يقول العارفون، مستمر في المماطلة ومقارعة الفريق الرئاسي حتى يمل منه الآخرون،
وبالتالي فإن الإعتذار لن يأتي على طبق من فضة للتيار الوطني الحر، وإن حصل فالخروج من التأليف سيواكبه خطوات لا تخرج الحريري منكسراً، بل أقوى من قبل الى صفوف المعارضة للتحضير لمعركة الربح في الانتخابات النيابية المقبلة.
الحريري يشعر الآن بأنه لا يعيش تحت ضغط جدي من أحد، لا داخلياً ولا خارجياً. فكرته تقول بأن الولايات المتحدة وفرنسا وحتى السعودية لا تمارس عليه ضغوطاً كي يتنحى. والحلفاء معه في لبنان ليس لديهم خيار آخر، والمشكلة قد تبرز في حال قرر بري وجنبلاط السير مع حزب الله في وجهة الإستغناء عنه وتكليف شخص آخر. وعند هذا السقف يعتبر الحريري أن بيده الحل - الرد: لا اعتذار، لكن لا تأليف إلا وفق شروطه. وفي حال قرروا الإطاحة به، سيعتذر عن
عدم تأليف الحكومة، ويستقيل من المجلس النيابي. وفي هذه النقطة، يخرج من محيط الحريري من يقول بأنه لن يستقيل قبل أيلول المقبل، وعندها لا يقدر الرئيس بري على المطالبة بانتخابات فرعية. وعندها، يستطيع الحريري أن يقول بأنه يمكنه هو أو من يراه مناسباً، تشكيل حكومة انتخابات وليس حكومة مهمة الإنقاذ.
وعليه، فإن الحريري لن يبقى صامتاً، ولن يكتفي باستخدام عدم إعتذاره متراساً سياسياً له، وهو سيباشر التحرك باتجاه حلفائه وتحديداً مع بري الذي يقف معه بلا حدود، وأيضا مع رؤساء الحكومات السابقين وآخرين لوضع استراتيجية متكاملة لمواجهة مرحلة ما بعد اشتعال الحروب حول الصلاحيات التي تستفيد منها بعض الرؤوس الحامية. ويفترض أن تحمل هذه الاستراتيجية التي يدرسها مع حلفائه وأولهم بري مجموعة من الخيارات للإتفاق على واحد منها بالتنسيق معهم،
لأن عدم الإعتذار لبعض الوقت قد لا يصلح لكل الوقت، وبات من الضروري أن تسفر عن وضع خطة مواجهة سياسية.
وبالتالي، كما نُقل عنه أثناء ترؤسه الإجتماع الأخير لكتلة "المستقبل"، لن يستمر الحريري بالتكليف إلى ما لا نهاية
والتفرج على انهيار البلد على كل المستويات لأن هذا سيجعل منه شريكاً في التعطيل والإنهيار وفي تكريس الفراغ في
موقع الرئاسة الثالثة.