بالرغم من كل خلافاتهم المستعصية التي أوصلتهم إلى حالة فريدة من السوء في العالم أجمع، يكاد معظم اللبنانيين يُجمعون على أن هناك شرخاً كبيراً بين تطبيق دستورهم المكتوب الذي من المفترض أن يكون ملجاْهم في الملمات، وبين الميثاق والأعراف غير المكتوبة والتي فازت بسباق التقدم على الدساتير التي تم اعتمادها في الدولة اللبنانية منذ إعلان دولة لبنان الكبير قبل قرن من الزمن وحتى اليوم!.
ففي دستور الطائف جاء في الفقرة المتعلقة برئيس الجمهورية التالي: “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. ويترأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت.”. وفي التفسير العملي لهذه الفقرات المحورية بمهمات رئيس الجمهورية فإن ليس لديه أية سلطة تنفيذية تعمل على تسيير أمور الدولة بالمعنى العملي للكلمة!..
وفي دستور الطائف أيضا، جاء حول صلاحيات رئيس مجلس الوزراء التالي: “رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها ويتكلم باسمها، ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء. يرأس مجلس الوزراء ويكون حُكْماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع”!
وهنا بيت القصيد، فاذا استقال “رئيس مجلس الوزراء” من مهماته كما فعل الرئيس حسّان دياب تستقيل الحكومة بشكل تلقائي، وبالتالي فان الدولة تصبح بدون سلطة تنفيذية، ولذلك يقبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة ويَطلب منها تصريف الأعمال، وذلك من أجل تسيير أمور الدولة والمواطنين. ولكن عندما “يعتكف” أو “يحرد” رئيس مجلس الوزراء المستقيل عن تصريف الأعمال كما هو “حاصل عملياً” مع الرئيس دياب، إضافة إلى “الشكوى والنعي” من التأخير في تشكيل الحكومة، يُصبح على رئيس الجمهورية أن يلعب دور “أبو ملحم” بين رؤساء الإدارات لتسيير أمور الدولة وأبنائها، وبخاصة إذا كانت الأزمات تتساقط على رؤوس المواطنين كحبات البرد في طقس عاصف.
فهل يجوز أن يستقيل مذهب من دوره المحوري في التركيبة الوطنية، لأن حفلة النكايات والمزايدات في أوجها، وترك المواطنين في بحور من الأنواء والعواصف، قبل أن تُلقى المسؤولية من جديد على شخصية أخرى لعودة الجميع إلى حضن السلطة؟.