لارا الهاشم -
منذ ست سنوات ولدت الطفلة صوفي مشلب. كانت اول هدية تلقاها والداها بعد طول انتظار لكن الفرحة لم تدم طويلا. فصوفي بقيت نعمة البيت الذي اختضنها لكن ذاك الجسد الصغير لم يحتمل الضربة التي تلقاها في مستشفى القديس جاورجيوس حيث ولدت الطفلة والتي أصابتها بتلف دماغي.
اليوم وبعد ست سنوات انصفت نقابة الاطباء صوفي بالتأكيد على وقوع خطأ طبي على الرغم من محاولة بعض المعنيين طمس الحقيقة خلال السنوات السابقة.
وللتذكير، فبعد مرور ٢٤ يوما على ولادتها أجريت لصوفي عملية استئصال ورم حميد من أسفل العامود الفقري خوفا من تطوره إلى ورم خبيث. تدهورت حالة الطفلة تحت العملية ما تسبب لها بشلل كامل.
على الأثر طالبت العائلة باجراء تحقيق طبي، فخرجت لجنة التحقيقات في نقابة الأطباء التي كانت ترأسها د. كلود سمعان في عهد النقيب ريمون الصايغ بأربعة احتمالات لإصابة صوفي بتلف دماغي، في محاولة لتحييد الخطأ الطبي.
يومها رجحت اللجنة عدم مراقبة ضغط الدم خلال العملية أو وجود تشوهات خلقية لم يتم تشخيصها قبل الولادة أو انخفاض نسبة الاوكسيجين في الدم بسبب الارتداد المعوي أو ال reflux أو احتمال وجود أمراض جينية. إذا وبكل بساطة تم تجاهل كل صور الرنين المغنطيسي وصور الأشعة السابقة للعملية ولم يكن ينقص سو تحميل الطفلة شخصياً مسؤولية ما حصل لها.
فما كان بوالدها فوزي مشلب إلا أن تقدم بشكوى أمام القضاء وادعت قاضي التحقيق في المتن ساندرا المهتار على الصايغ وسمعان بجرم تزوير المعطيات. إلى أن صدر تقرير جديد قبل أيام عن لجنة التحقيق في نقابة الأطباء برئاسة د. مروان الزغبي ليؤكد المؤكد.
فاللجنة وبحسب التقرير الذي اطلع عليه tayyar.org أكدت أن سبب الاصابات الدماغية يعود إلى نقص في التروية النسيجية في الدماغ وهو يحدث بسبب انخفاض مستوى ضغط الدم الذي حصل في وقت العملية وما بعدها. لا بل وأكثر، فاللجنة لم تجد أي خلل جيني يفسّر حالة الطفلة على عكس ما رجحه التقرير الأول.
أما بالنسبة لاحتمال ربط الreflux بهبوط الاوكسيجين في التقرير الأول، فقد دحضه التقرير الجديد. اذ لم تتمكن اللجنة من إثبات العلاقة بين هبوط الاوكسيجين الناتج عن ال reflux والخلل الدماغي كما انها لم تتمكن من جزم امكانية تسبّب الاختناق بالخلل الدماغي.
ما حصل اذاً هو حقن صوفي بكمية من المخدر تفوق الكمية اللازمة بحوالى الأربعة أضعاف بحسب وزن الطفلة. ومن المعلوم كما أفاد التقرير أن هذه المادة تتسبب بهبوط في ضغط الدم وأن استعمالها بالتوازي مع المورفين قد يزيد من خطر حدوث هذه المضاعفات.
وما زاد الأمور تعقيداً هو عدم تحضير الدم ومعالجته قبل العملية ما تسبب بتأخر إنعاش الطفلة. فالعملية أجريت من دون مراقبة الضغط التي تخالف أهم قواعد مراقبة عملية التخدير المتعارف عليها. كما رأت اللجنة الطبية أن معالجة وحدة الدم المطلوبة بالأشعة لم تتم وهو أمر يخرج عما هو متعارف عليه من قبل أطباء التخدير والانعاش حتى يصبح استخدام الوحدة ممكناً. هذه الاصابات الدماغية الناتجة عن الاخطاء تسببت بقصور كلوي لدى الطفلة.
والاسوأ من ذلك هو ما أكدته اللجنة لناحية إخلال الأطباء القيمين على العمل الجراحي والتخدير بواجب الموافقة المستنيرة، أي موافقة الأهل المسبقة على أي عمل طبي. علما أن صور الدماغ الصوتية والرنين المغنطيسي ما بعد الولادة لم تظهر أي خلل دماغي يعزز فرضية التلف لأسباب خلقية.
في الخلاصة أقرت اللجنة بمخالفة المستشفى والأطباء لابسط معايير السلامة standard of cares وثَبُت ما كان مستشفى الروم يحاول نفيه حول إجرائه عمليات للأطفال من دون مراقبة الضغط. هذا وقد أحالت كل من الجراحين ريفا متى ونبيل دياب وطبيب البنج زياد فاضل وطبيب الإنعاش روبير صاصي على لجنة الاخلاقيات من أجل توزيع مسؤوليات الأخطاء.
هذا التقرير لن يعيد لصوفي عافيتها ولن يذلل عذاباتها ومعاناة والديها ولكنه من دون أدنى شك سوف يعزّز حيثيات الشكوى المقامة من قبل والدها ضد مستشفى القديس جاورجيوس. هكذا يكون مشلب قد وفى بوعده لطفلته وهو أن "ما قبل قضية صوفي ليس كما بعدها فزمن حماية نقابة الاطباء للطبيب ظالما كان أم مظلوما قد ولّى".
أما القضاء فبات أمام امتحان هام. فإما أن ينتصر الحق وإما أن تنتصر الوساطات ومعها أصحاب النفوذ.