بعدما طلب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تدخلاً من جانب الرئيس نبيه بري لجمع الحريري وعون ودفعهما الى التفاهم وحل أزمة التأليف، وبعد تعثر مبادرة بري وحصول إشتباك كلامي بين باسيل وخليل، فإن الحزب يتوسط ويسعى حالياً للجمع بين بري وباسيل...
يبدو أن مبادرة الرئيس نبيه بري توقفت بعدما اصطدمت مجددا بشروط طرفي أزمة تشكيل الحكومة، وبعد فشل اللقاء
الذي جمع "الخليلين" بالنائب جبران باسيل. توقف مسعى "الخليلين" بعد اعتذار النائب علي حسن خليل، وذلك بسبب
التشنج الذي ساد بينه وبين باسيل في آخر إجتماع، ولم تكن الأجواء جيدة وحاسمة، ولم يسفر اللقاء عن نتائج إيجابية.
وقد حصل توتر كبير بين خليل وباسيل، إذ اتهم الأول رئيس التيار "بأنه لا يريد تشكيل حكومة".
و ُعلم أنه بعد الإجتماع الذي ُعقد في قصر بعبدا والصدام الحامي الذي وقع بين باسيل وخليل الذي اتهم باسيل
بالإنقلاب على المرونة التي أظهرها على امتداد الأيام التي سبقت، طلب السيد نصرالله ليلاً من فريقه معاودة التواصل مع
باسيل في اليوم التالي لتأمين ولادة حكومة الـ8-8-8 ،وعلى قاعدة أن لا ثلث معطلاً لأحد ولا حتى بالمواربة. لكن النتيجة بقيت سلبية وسط تبادل عنيف للقصف بالبيانات بين قصر بعبدا وتيار المستقبل.
وفيما تردد أن الحاج وفيق صفا سعى إلى عقد إجتماع ثان ليل أمس، ومعهما وليد جنبلاط
، إلا أن الثنائي الشيعي بات مسلماً
، بأن عون يرفض بالكامل التعايش مع الحريري حتى نهاية عهده، والأخير يتهيّب لحظة دخوله السراي لاعتقاده أنه "سيحترق بنار الأزمات التي قد تبلع حكومته، وسيُقطع عنها التمويل اللازم في ظل الفيتو السعودي الثابت عليه".
وتفيد معلومات أن الإجتماع الذي ُعقد ليل الإثنين بين باسيل و"الخليلين" والحاج وفيق صفا، والذي وصل " َمحضره" بالتفصيل إلى بيت الوسط، شّكل صاعق الإنفجار بين عون والحريري. ويؤكد مطلعون أن "باسيل ناور لساعتين "وشال وحط" في التشكيلة، وأبدى إعجابه ببعض الأسماء التي طرحها الحريري في حكومة الـ24 وزيراً، ثم أكد أن "فريقه السياسي لن يعطي الثقة لهذه الحكومة"، مع إصراره الكامل على "عدم جواز إختيار الحريري لوزيرين مسيحيين، وإلا فإن رئيس الجمهورية يختار إسم وزير سنّي وآخر شيعي، وهذا ما كان يحصل في حكومات سابقة، أو
يترك للبطريرك الراعي أو المجتمع المدني أمر إختيار وجوه مسيحية غير حزبية".
المطلعون على موقف الثنائي الشيعي يلاحظون وجود إختلاف في المقاربة: بينما يعطي حزب الله الحق لرئيس التيار الوطني الحر ويدعم حجته، يعتبر الرئيس بري أن باسيل أخطأ بالتعاطي خلال الإجتماع الأخير ويحمله مسؤولية التعطيل.
يمكن الإستنتاج أن بري متحمس للحريري على حساب باسيل أو أنه يحمل الأخير نسبة 80 المئة من مسؤولية التعطيل
مقابل 20 في المئة للحريري.
حزب الله على تواصل يومي مع باسيل ويحرص على السير بالمفاوضات معه رغم تعنته بموقفه، ولا نية لدى الحزب بالضغط عليه ودفعه للتنازل، وهو ما يجد تفسيره لدى الأوساط المطلعة على موقفه من أن حزب الله ما اعتاد الضغط على حلفائه كي يفعل ذلك مع باسيل الذي لا يزال يحظى بمكانته في أوساط حزب الله، إلى حد يدفع أمينه العام السيد حسن نصرالله للتوصية باستمرار الوقوف على رأيه ومواصلة التفاوض معه بشأن الحكومة، الى أن يتم إيجاد المخرج المناسب. يكثف حزب الله حالياً مساعيه للتوسط بين بري وباسيل وتأمين عقد لقاء يجمعهما للتفاهم مباشرة على إيجاد مخارج ممكنة...
في هذه الأزمة المستحكمة، توصل الثنائي الشيعي بعد لقاءات الإثنين التي توزعت بين عين التينة وقصر بعبدا الى إستنتاجين: الرئيس المكلف سعد الحريري لا يريد تشكيل حكومة والتيار الوطني الحر لا يريده رئيساً للحكومة.
وفي النتيجة، الصراع المحتدم ليس على كيفية إدارة عملية إنقاذ للوضع الاقتصادي المهترئ، وهو ليس خلافاً على إختيار الإسمين المسيحيين في الحكومة، إنها معركة الحصول على ضمانات شخصية لرجلين "مأزومين" يبحثان عن مستقبلهما السياسي بعدما أخفقا، ولا يريدان أن يدفعا الثمن. أما والدة الحكومة الموعودة من عدمه، فيتوقف على حساباتهما الشخصية، فعندما يصل أي منهما الى قناعة بأن التشكيل هو الخيار الأقل سوءا، ستتبدد كل الشعارات وسنعود الى لعبة "المساكنة"، وفي حال العكس، لن تبصر الحكومة النور، وستكون البلاد أمام صراع مفتوح، وانهيار محتوم.
أصيب الرئيس نبيه بري بخيبة أمل لم تثنِه عن إستمرار دعمه للحريري. خلال إستقباله الحريري في عين التينة سأله هل تريد أن تشكل حكومة؟ أجابه الحريري: نعم. فعاود السؤال: وهل لديك موانع خارجية تحول دون ذلك؟ أجابه بالنفي.
في هذا الوقت كان استفسر بري مصادره ليتبيّن له ان الجانب الفرنسي لم يعد يولي إهتماماً لموضوع تشكيل الحكومة
ولبقاء الحريري أو لاعتذاره، ولذا يبدي بري تمسكه بالحريري لعدم وجود إمكانية لدفعه الى الإعتذار دستورياً، وبوصفه
زعيماً للسنة.
وتقول معلومات إن الفرنسيين سحبوا يدهم من الحريري، وأن ثمة مرجعية سنيّة سابقة تتوسط لترجيح كفة تكليفها رئاسياً.
ويُنقل عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قوله خلال مأدبة عشاء حضرتها شخصية لبنانية، إن الحريري كان مربكاً خلال لقائه به في بيروت والعلاقة معه لم تعد كسابق عهدها. في المقابل سجلت معلومات تواصلاً حصل بينهم وبين باسيل خلال الساعات الماضية لم يفصح عن تفاصيل مضمونه بعد.
ُُسئل الرئيس نبيه بري من قبل زواره عن رهاناته بعدما أعاد تشغيل محركاته الحكومية، وعما إذا كان مقتنعاً بنجاح هذه "الطبخة" في إدارة البلاد بغياب "الكيمياء" بين عون والحريري، فكانت إجاباته معبّرة، حيث أكد أنه يدرك جيدا "أن من جرب المجرب كان عقلو مخرب"، لكن ما العمل إذا ما في "بالميدان إلا حديدان". وأضاف "شو منخترع زعامات، هيدا الموجود". وعما إذا كان نادماً على استعجاله في إسقاط حكومة دياب، وتعليقه الآمال على قدرة الحريري على التشكيل سريعاً، إكتفى بالقول: "في فمي ماء".