ليس عبثاً أن يحظى مسؤول سياسي لبناني بهذا الكم من الإهتمام (مع إن كثيرين من العاملين في السياسة اللبنانية يتمنون أن لا يبقى في موقعه وحجمه) وهو الذي إستطاع أن يسجل رقماً قياسياً برئاسته لمجلس النواب منذ العام 1992، وترؤسه لتنظيم “حركة أمل” منذ خمسة عقود. فالرجل نجح بتدوير الزوايا، مهما بلغت حدتها في مراحل عديدة كانت تشكل هاجساً للعديد من المسؤولين والسياسيين.
ففي المذهب الشيعي، حجز رئيس “حركة أمل” المحامي نبيه بري التمثيل الأعلى رتبة في الدولة اللبنانية منذ أربعة عقود متواصلة، بالتكافل والتضامن مع “حزب الله”، حتى أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله إقترح الأسبوع الماضي على من يُفترض بهم أنهم يؤلفون الحكومات، أن يستعينوا بـ “صديق”. ناهيك عن أن كل التشريعات والقوانين مُلزَمة بالمرور في معبره، مضافاً إليها جلسات الإنتخابات الرئاسية ومساءلة الحكومات، مع كل ما يرافق ذلك من “أستذة” كاملة على كل من شاءت له الظروف أن يدخل إلى ساحة النجمة سابقاً وقصر الأونيسكو حالياً!
في مجلس النواب، يشعر جميع المواطنين وكأن “الإستيذ” هو المؤتمن الوحيد على أسرار جميع النواب في المجالس العشرة التي ترأسها خلال ولاياته المتواصلة. وبالتاكيد أن أياً من النواب يخشى أية زلة أمام الرئيس بري لأنه سيفاجئه بهذه “العبارة” او تلك “القفشة” التي يمكن ان تعريه أمام الرأي العام. وبالتالي فإن أياً منهم (سيدات ورجال) مضطّر أن يَعبر بخفر أمام منصته مهما علا كعبه!
في الكتل والتحالفات النيابية (وتقريباً بدون إستثناء) نادراً ما تجد إحداها قد تملصت من “تسلّل” الرئيس بري إليها، إن عبر قوانين الإنتخاب أو عبر الأصوات الشيعية التي “يمون” عليها في غير منطقة. حتى بات طيف الرئيس بري يخيم على الجميع، وإنعكاس مرآته على بعض الأسماء واضحة!
أما في الشؤون السياسية العامة، فحدّث ولا حرج، فتكاد لا تمر مشكلة أو عقدة سياسية بدون أن يُخرج لها “صاحب الباع الطويل في نظم الشعر” أرنباً من أكمامه يساعد على تخطي العقبات أو العقد التي يراها الجميع مستحيلة، فتلتقطتها “عين التينة” وتصف لها المخارج الناجعة التي تُرضي الأكثرية إجمالاً!
كثيرون من المراقبين والمتابعين يتندرون بمقولة “لو لم يكن الرئيس بري موجوداً في الحياة السياسية اللبنانية لوجب إيجاد أمثاله”، فهو المعبر الإجباري وربما الوحيد لكل التقاطعات وما أكثرها وأعقدها في هذه الساحة الشرق أوسطية الملتهبة باستمرار.
في الأيام القليلة الماضية تردد أن الرئيس بري أشعل محركاته مجدداً لإطلاق الحكومة الجديدة فهل ستخذله الأرانب هذه المرة؟ أم أن أضواء مروره الملونة ستعمل بنشاط على مستديرة عين التينة لتسهيل مرور “البوسطة الحكومية” المُنتظرة منذ ثمانية أشهر، فيما البلاد تغرق في أزمات خانقة.