يشتهر المطبخ اللبناني بكونه واحداً من «أفضل المطابخ على مستوى العالم». شهرته هذه لا تأتي فقط من تنوع مائدته وتعدّد أطباقه، بل أيضاً من مكوّناته التي تحتوي على قيمٍ غذائية أساسية، خلصت إليها دراسة «تركيبة الغذاء للمأكولات الشعبية التقليدية والحلويات العربية والمواد الغذائية الأكثر استهلاكاً في لبنان»، العام الماضي. فقد وجدت هذه الأخيرة أن مكوّنات المائدة اللبنانية «تتضمن كميات كافية من النشويّات والألياف الغذائيّة، وفيها عناصر جيّدة من المغذّيات الرئيسية التي تساعد في الحفاظ على المهام الجسديّة وموازنة الطاقة وتحسين حالات الأفراد الغذائيّة».
لكن الأزمة الاقتصادية الحالية ضربت بعض تلك المكونات، خصوصاً مع لجوء كثيرين الى استبدال المواد الغذائية ذات النوعية الجيدة بأخرى أقل جودة لرخص ثمنها، ولا سيما السمن والزبدة والزيوت المهدرجة وغيرها من المواد التي تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون المشبعة والمتحوّلة. وهذا، إلى جانب تأثيره في جودة الطعام اللبناني، يهدّد أيضاً صحة الناس، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار النتائج العلمية التي تؤكد أن «الأمراض غير السارية تتسبّب في 91% من مجمل الوفيات في لبنان»، وفق عضو اللجنة العلمية في المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء في الجامعة اللبنانية، الدكتورة مها حطيط.
تداعيات هذه الأزمة أعادت إلى الواجهة دراسة «تركيبة الغذاء للمأكولات الشعبية». وقد عمدت الجامعة اللبنانية إلى «تحديث» معطياتها، استناداً الى المتغيرات المتسارعة في نوعية الغذاء والأصناف الداخلة فيه. واختار القيّمون على الدراسة 30 طبقاً تقليديّاً (150 عيّنة من 5 مناطق جغرافيّة في لبنان) يستهلكها اللبنانيون بكثرة لإعادة «فحصها»، وتحليل الدهون والدهون المشبّعة والدهون غير المشبّعة الأحاديّة والدهون غير المشبّعة المتعدّدة والأحماض الدهنيّة والملح وإجماليّ السكر والفيتامين «د» والحديد الداخلة فيها. ومن بين تلك الأطباق الهندباء بالزيت، اللحم بعجين، الفلافل، الملفوف المحشيّ، الفول المدمّس، فطائر السبانخ، الشيش برك، الكفتة والبطاطا، فتّة الحمّص، الكبّة بالصينيّة، شاورما اللحمة، الأرز بالدجاج، المجدّرة، الكوسا، الكبّة بالصينيّة، البابا غنّوج، الفتّوش التبولة، الصياديّة، البرغل بالبندورة، مسخّن الباذنجان…
النتائج كشفت عن أخبارٍ غير سارة، وبيّنت وجود محتوى عال من الملح (أكثر بـ20% من القيمة اليوميّة) في أكثر من نصف تلك الأطباق. كما أظهرت وجود نقصاً في المغذّيات في غالبية الأغذية التي أُخضعت للتحاليل، وهو «ما يؤثر على النموّ، خصوصاً عندما يكون جزء من النقص في التغذية يتعلّق بالحديد». وبحسب الدراسة، فإن أكثر من 60% من الأطباق فيها نقص في الحديد (أقلّ من 10% من القيمة اليوميّة)، ما يحمل عواقب صحية سلبيّة، خصوصاً بين الفئات المعرضة للخطر، كالأطفال والنساء الحوامل والنساء في سنّ الإنجاب. وفي هذا الجانب، شدّدت الدراسة على اتّخاذ إجراءات وقائيّة تتعلّق بتأسيس عادات غذائيّة جيّدة لمعالجة الحاجة إلى الحديد وزيادة التوعية حول أهميّة استهلاك الأطعمة الغنيّة بالحديد، وإعطاء مكمّلات حديد للفئات المعرّضة للخطر إذا كانت بحاجة اليها.
ولئن كان 90% من الأطباق قد احتوى على أقلّ من 5% من الأحماض الدهنيّة المشبّعة، إلا أن السيّئ هنا يكمن في محتوى الدهون ونوعيتها، والتي تتأتى في معظمها من «ثقافة الطهي في لبنان التي تركّز على القلي، ما يزيد من احتمال أمراض تصلب شرايين القلب على المدى البعيد». لذلك، تشدد الدراسة على ضرورة إعطاء الأولوية لمحتوى الدهون في الأطعمة واعتماد تعديلات في التصنيع وإنتاج الغذاء، كاستبدال جزئي للدهون الحيوانيّة بالزيوت النباتيّة.
أما في ما يخص الحلويات العربية، فقد اختارت الدراسة 37 صنفاً من الأكثر مبيعاً في السوق. وبعد التحليل، تبيّن أن كل الحلويات تسهم بأقلّ من 5% من الحاجة اليومية للنشويات، وبأقل من 11% من البروتين، وبأقل من 10% من الدهون. أمّا بالنسبة الى الطاقة، فانّ النتائج أظهرت أنّ 100 غرام من عيّنة واحدة من الحلويّات العربيّة تسهم في 10 إلى 27% من الحاجة اليوميّة للطاقة.
وفي ما يتعلق بالأطعمة التي تباع في السوق، أظهرت النتائج فارقاً «فاضحاً» عمّا هو مدوّن على المنتج. فعلى سبيل المثال، كانت نسبة الدهون المدونة على علبة الزبدة اللايت (100 غرام) 20 غراماً، فيما ظهر في التحليل أن النسبة تتخطى 61 غراماً. كما بيّنت التحاليل أن بعض القيم الغذائية كان مضاعفاً أو أكثر من القيم الموجودة على ملصقات المنتجات. غير أن اللافت هو أن الأحماض الدهنيّة غير المشبّعة الأحاديّة والأحماض الدهنيّة غير المشبّعة المتعدّدة نادراً ما تم ذكرهما على ملصقات الحقائق الغذائيّة، فيما أظهرت تحاليل هذه الأطعمة آثاراً لهذه الأحماض. أمّا الأحماض الدهنيّة المحوّلة، فكانت إمّا مذكورة كـ«صفر غرام» أو غير مذكورة، فيما كشفت التحاليل عن آثار لهذه الأحماض في الأغذية.