تجري إتصالات منذ أيام قليلة بين حزب الله وحركة "أمل"، هدفها فتح كّوة في جدار التأليف من خلال محاولات
مستمرة لكسر الحواجز الحكومية بين الحريري وباسيل، كون الأخير يُعتبر الطريق الأقصر لحصول توافق بين الأول
ورئيس الجمهورية ميشال عون، وإزالة الخالفات العالقة بينهما وبالتالي عودة الحوار بينهما، على قاعدة أن كل جهة تُسمي وزراءها، على أن تكون نوعية الأسماء محصورة باختيار الرئيس المكلف.
وبحسب مصادر مقربة من "الثنائي الشيعي"، فإن زخم المساعي اليوم هي أكثر من جدية، خصوصاً في ظل نوايا حقيقية لدى بعض الأطراف، للإنتهاء من موضوع تأليف الحكومة والذهاب فوراً لمعالجة المسائل الأساسية ، لا سيما تلك التي تهّم المواطن بالدرجة الأولى". وحول شكل الحكومة التي يمكن حصول تقارب في وجهات النظر حولها وتحديداً بين عون والحريري، أوضحت أن "الحديث يتركز اليوم حول حكومة موسعة تضم معظم الشرائح السياسية، وصولاً إلى اعتبار الوزير الأرمني مستقلاً وليس محسوباً لا على رئيس الجمهورية ولا على باسيل".
تتفاوت الآراء والتقديرات المتعلقة بالمسار الحكومي:
-هناك من يرى أن الحريري مخيّر بين سرعة التأليف أو الإعتذار. والفرصة ما زالت متاحة لتشكيل الحكومة بالتفاهم مع عون وفرضها على الجميع في الداخل والخارج، والإنفراجات الإقليمية ربما تساعد على تأمين الغطاء السياسي للحريري وحكومته.
- هناك من يرى أن الحريري ذاهب الى الإعتذار في النهاية، ولكنها تعطي مهلة أسبوعين كحد أقصى قبل اتخاذه هذا
القرار، وأن الحريري لم يعد أمامه إلا الإعتذار لحفظ ماء وجهه بعد تأكيد كل الجهات الدولية والعربية التي التقاها بأنه غير مرغوب به، وأي حكومة سيشكلها ستلقى مصير حكومة حسان دياب.
وكانت معلومات جرى تناقلها في دوائر سياسية ضيقة تفيد أن المعنيين بالملف الحكومي، ومن ضمنهم "الثنائي الشيعي"، وضعوا خطة حكومية بديلة متكاملة بعد اعتذار الحريري، تتضمن تشكيل حكومة موسعة من ٢٤ وزيراً تضم أخصائيين وسياسيين "٨-٨-٨ "بلا ثلث معطل لأي طرف، في حين يجري التداول بأسماء عديدة لتولي حكومة "الإنقاذ"من دون الإتفاق حتى اللحظة على إسم نهائي، على أن الثابت هو تأكيد السعودية موافقتها على أي شخصية سنيّة لتولي المهمة شرط أن لا تكون سعد الحريري. وتشير المعلومات الى أن دار الفتوى ونادي الرؤساء السابقين ُوضعوا في أجواء
تأمين الغطاء السني الداخلي للرئيس الجديد منعاً لأي التباس في الشارع السنّي قد يؤدي الى تأجيج الفتنة.
وللمرة الأولى، كشفت المصادر عن تحضير خطة اقتصادية متكاملة يتم وضع اللمسات النهائية عليها وسوف يعلن عنها بالتوازي مع الإتفاق على التشكيلة الحكومية.
توقفت أوساط مراقبة عند البيان الذي صدر أخيراً عن المكتب السياسي لحركة "أمل" التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتقول إن ما ورد فيه يشكل هجوماً كهربائياً وقضائياً وسياسياً على عون وباسيل من دون أن يأتي على ذكرهم بالإسم، وتقول إن اللافت للإنتباه في البيان تأكيد إجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها في ربيع 2022 ،متهما الحكم والحكومة بخرق الدستور بامتناعهما عن إجراء الانتخابات النيابية الفرعية.
فبعد الجفاء الذي خلفه ترسيم الحدود البحرية بين الرئاستين
الأولى والثانية، والذي أغضب بري، وإن
بصمت، من رئيس الجمهورية، تبدو حركة "أمل" كأنها قررت الانتقام لنفسها، مصّوبة وبقوة ضد الفريق الرئاسي من
دون أن تسميه. وهذه الأجواء المشحونة، بحسب ما تقول الأوساط، من شأنها أن تكّرس التباعد ما بين بعبدا وميرنا الشالوحي من جهة، وعين التينة من جهة أخرى، وهي ربما تقضي على أي حظوظ لوساطة بري حكومياً.
يكشف رئيس حكومة سابق أن الرئيس سعد الحريري صارح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عندما التقاه في قصر الصنوبر بسؤاله: كيف يساوي بين من يسهّل والدة الحكومة وبين من يعيق تشكيلها ويضع الجميع في سلة
واحدة، مع أنه قدم كل التسهيلات لإنجاح المبادرة الفرنسية؟ لكن لودريان آثر عدم التعليق لأنه - حسب قول رئيس الحكومة السابق - جاء لتسويق رهانه على المجتمع المدني لإحداث تغيير يؤدي إلى إنتاج سلطة جديدة، مضيفا أنه أخرج نفسه من المبادرة الفرنسية بشكل غير لائق ودخل على الحراك المدني بصورة غير صحيحة، وإلا كيف يصرف إصراره على أن المبادرة ما زالت قائمة وباقية على الطاولة، فيما أحجم عن الحديث عن الأزمة الحكومية؟
و من جهة ثانية تزور سفيرة فرنسا في بيروت آن غريو بكركي اليوم ناقلة الى البطريرك بشارة الراعي رسالة خاصة من لودريان،
وتناقش معه ما انتهت إليه زيارته لبيروت والجهود المبذولة لمساعدة لبنان على الخروج من الأزمة التي يعانيها لبنان.
وقالت مصادر قريبة من بكركي إن هذه الزيارة ستكون مناسبة لأنهاء السيناريوهات التي نُسجت حول إستياء بكركي من تجاهل لودريان لزيارتها، في اعتبار أن الإتصالات مستمرة بين الجانبين بالوسائل المتاحة.
وقد عاد قبل أيام السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت، وهو يستعد للقاءات سياسية مع شخصيات متعددة، لتكوين وجهة نظر كاملة عما بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وذلك تحضيراً للقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
و أيضاً ذكرت معلومات صحفية أن الرئيس ميشال عون أطلق عملية جس نبض تجاه الرئيس نجيب ميقاتي لجوجلة البدائل المتاحة معه واستكشاف مدى جهوزيته لقبول التكليف فور اعتذار الرئيس المكلف، وأن إجتماعات جرت بعيداً من الأضواء بين ميقاتي وشخصية مقربة من رئيس الجمهورية بغية التفاهم بين الجانبين على ترتيبات تأليف حكومة جديدة وبوقت سريع بعد اعتذار الحريري، لا سيما وأن الموفد العوني نقل مباركة الرئيس نبيه بري لخطوة تكليف ميقاتي في حال أصر الحريري على الإعتذار. وتفيد المعلومات المتوافرة حيال خلاصة هذه الإجتماعات، أن ميقاتي لم يوصد الباب نهائياً أمام خيار تكليفه تشكيل الحكومة، لكنه وضع قائمة شروط لقبول المهمة ولا يزال ينتظر جواب عون عليها.
هذه "التسريبات" الملغومة تدحضها تصريحات الرئيس ميقاتي الذي يؤيد ويدعم إستمرار الرئيس سعد الحريري في مهمة تشكيل الحكومة، معتبراً أن "الإعتذار عن التكليف إنتحار سياسي". ويُعّد ميقاتي ركناَ بارزاً في مجموعة رؤساء الحكومات السابقين التي هي السند والغطاء الأساسي للحريري.
وقد أكد الرئيس نجيب ميقاتي، أمام زواره في طرابلس، أن "سياسة العناد والمكابرة لم تعد تجدي نفعاً في معالجة الملف
الحكومي بعدما دخل الوضع اللبناني في مرحلة الفوضى الاقتصادية والمالية والاجتماعية". ورأى "أن هناك من يريد
الإستحواذ على كل شيء في السلطة وكلما قدمت إليه تنازلاً طالب بالمزيد"، معتبراً "أن الإعتذار عن التكليف لتأليف
الحكومة هو اليوم بمثابة إنتحار سياسي"، لافتاً الى "وجوب تغيير العقلية الإستئثارية والإلغائية السائدة ضمن فريق
العهد". وشدد على "ضرورة إحترام المؤسسات والصلاحيات والحفاظ على الدستور"، لافتا الى أن "إتفاق الطائف لا يزال الأفضل للبنان وتركيبته السياسية والطائفية لكن علينا أن نحسن ونستكمل تنفيذه".