قد تبدو قرية دولسي الصحراوية الغريبة بولاية نيومكسيكو الأميركية منطقة بسيطة للغاية، لا شيء مميزاً فيها، ولا يتجاوز عدد سكانها 3000 نسمة، ولا تحتوي حتى على إشارات مرور، لكنها مع ذلك مركز جذب مهماً للباحثين في شؤون الأجسام الطائرة الغامضة والمؤمنين بنظريات مؤامرة الفضائيين، الذين يعتقدون بوجود منشأة عسكرية سرية مكونة من 7 طوابق تحت القرية تُسمَّى “قاعدة دولسي”… فما قصتها؟
قاعدة دولسي.. حقيقة أم خيال؟
لاقت حكاية وجود قاعدة دولسي للفضائيين زخماً منذ السبعينيات، وقد بدأت القصة برصد أحد جنود الولاية جسماً طائراً غريباً في السماء وماشية مشوهة على الأرض في دولسي. ووجد أيضاً أقنعة غاز بالقرب منها، وهو الأمر الذي يُعتقد أنَّه يشير إلى تورط حكومي.
ولعل أكثر الادعاءات التي لا تُصدَّق هي ادعاءات فيل شنايدر، وهو مهندس سابق مزعوم لدى الحكومة، والذي زعم أنَّه ساعد في بناء قاعدة دولسي الخاصة بالفضائيين في عام 1979.
وادَّعى أنَّه واجه آخرين فضائيين في أثناء البناء، لكنَّ جنود الجيش اشتبكوا معهم في معركة بالأسلحة النارية، وتوسطوا لاحقاً لإبرام اتفاق سلام مع تلك الكائنات.
وعلى الرغم من عدم ظهور أي دليل ملموس، يستمر تداول الإشاعات حول وقوع أحداث غريبة في قرية دولسي، وفقاً لما ورد في موقع That’s All Interesting الأميركي.
الشائعات المبكرة حول قاعدة دولسي
يقطن قرية دولسي الواقعة شمال نيومكسيكو السكان الأصليون فقط، وهي تضم كذلك “محمية جيكاريلا أباتشي”.
وعلى الرغم من صغر حجم سكانها، فإنَّها تجتذب سياحة كثيفة من جانب الباحثين في شؤون الأجسام الطائرة الغريبة، الذين يُنظِّمون “مؤتمر قاعدة دولسي للأجسام الطائرة الغامضة” سنوياً.
ومن المهم ملاحظة أنَّ وجود قاعدة للفضائيين بحد ذاته أمر غير مُثبَت تماماً، ولو أنَّ الأساطير المحيطة بها موثقة توثيقاً جيداً. وبحسب كتاب “A Culture of Conspiracy” (ثقافة المؤامرة) لمايكل باركون، ظهرت القصص في منتصف السبعينيات مع إفادة الجندي في ولاية نيومكسيكو، غابرييل فالديز بأن عدداً لا بأس به من قطعان الماشية في المنطقة قد تعرض لتشوهات غريبة ومثيرة للقلق دون معرفة أسبابها.
وادعى فالديز أنَّه رأى “سفينة فضائية متطورة” في أجواء دولسي قرب المكان الذي يُقال إنَّ القاعدة موجودة به، وأنَّه وجد بقرة مشوهة بداخلها جنين ميت. وقال إنَّ ذلك لم يكن عجلاً لم يُولَد بعد وبدا كأنَّه هجين غريب “يشبه إنساناً وقرداً وضفدعةً”.
ويشير باركون إلى أنَّه كثيراً ما يجري ربط تشوهات الماشية بمشاهدة أجسام طائرة غامضة بالقرب.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أنَّ الحدود بين ولايتي نيومكسيكو وكولورادو قد أصبحت واحدة من أبرز المواقع في البلاد التي ظهر فيها كلا النوعين من التقارير (الأجسام الطائرة وتشوهات الماشية) بحلول مطلع الثمانينيات.
وصلت الادعاءات إلى كل مكان، وأعقب ذلك في عام 1979 ظهور قصص من بول بينيويتز، وهو فيزيائي ورجل أعمال من مدينة ألباكركي. ويُزعَم أنَّ بينيويتز قد ميز إشارات إلكترونية في دولسي يُعتقَد أنَّها كانت صادرة من مكان عميق تحت الأرض وموُجَّهة نحو هدف شديد الارتفاع على مستوى يتجاوز الحدود التي يصل إليها النشاط البشري.
وبفعل الاهتمام الوطني المتنامي بتشوهات الماشية ومزاعم الإشارات الإلكترونية، وُلِدَت أسطورة قاعدة دولسي. افترض بينيويتز في البداية عام 1982 وجود القاعدة السرية؛ بل نشر ورقة بعنوان “مشروع بيتا” في عام 1988، تُفصِّل أفضل السبل للتسلل إلى المنشأة.
وبحلول مايو/أيار 1990، ادَّعى جون لير أنَّه حصل على “أربعة تأكيدات مستقلة” بأنَّ المبنى المكون من 7 طوابق، حقيقي. ووصلت ادعاءاته إلى حد الحديث عن أنواع مختلفة من الفضائيين الذين يُزعَم أنَّهم زاروا الأرض. ومثلت مزاعم لير الأساس لخروج ادعاءات أخرى حول قاعدة الفضائيين في نيومكسيكو.
معركة في قاعدة دولسي للفضائيين
أما فيل شنايدر فقد ادعى أنَّه موظف حكومي سابق وخبير متفجرات، وقال إنَّه شارك في بناء قاعدة دولسي.
ولعل عرضه الأشهر هو ذلك الذي قدمه في عام 1995 والذي زعم فيه أنَّ الجيش واجه الفضائيين في معركة تحت الأرض خلال المراحل الأولى من المشروع.
غير أنَّ الحضور بمؤتمر قاعدة دولسي للأجسام الطائرة الغامضة اختلفوا حول ما إذا كانت قاعدة دولسي قد بُنيَت عمداً لتكون منشأة بحثية أم أنَّها بُنيَت بعد تفجير نووي تحت صحراء نيومكسيكو في عام 1967، حين كانت الحكومة الأميركية تحاول وحسب، تحفيز خزانات الغاز الأرضية.
لكنَّ شنايدر لم يدَّعِ فقط أنَّه رأى الكائنات بالأسفل، بل إنَّه فَقَدَ أيضاً عدة أصابع خلال معركة بالأسلحة النارية بين الجنود المرتعدين والكائنات الفضائية.
وفي حين ادَّعى شنايدر أنَّ قرابة 60 شخصاً قُتِلوا في المعركة النارية المُفترَضة تحت الصحراء، فإنَّه لم تثبت صحة أيٍّ من أقواله. وقد مات منتحراً عام 1996.
قاعدة دولسي مجرد قاعدة واحدة من بين 129 منشأة سرية
يثق مَن يُسمَّون بالخبراء بأنَّ قاعدة دولسي تتألف من 7 طوابق وتصل إلى عمق ميلين (3.2 كيلومتر) تحت سطح الأرض، ويزداد الوجود العسكري كلما تعمَّق المرء في النزول داخلها.
ويُقال إنَّ كل طابق مصمم لأبحاث معينة، بدءاً من التحكم في العقول على الكائنات البشرية وصولاً إلى التجارب الجينية الناتجة عن مزج البشر بالفضائيين.
بل تزعم بعض الرسوم البيانية أنَّ الفضائيين الرماديين والزاحفين لديهم مساكنهم، في حين زُعِمَ أنَّ موظفين قالوا إنَّ الطابق السادس -الذي يُدعى “قاعة الكابوس”- كان الأكثر إثارة للرعب على الإطلاق.
ويُزعَم أنَّ أصداء صرخات الضحايا البشريين الذين يخضعون للتجارب، تتردد هناك في الممرات. وادَّعى شنايدر أنَّ صراعاً بين فصائل مختلفة من الفضائيين والجيش الأميركي قد اندلع في نهاية المطاف، وأنَّ قاعدة دولسي مجرد قاعدة واحدة من بين 129 منشأة سرية بالولايات المتحدة.
ويزعم شنايدر وداعموه أنَّ ما يُسمَّى “الميزانية السوداء” للولايات المتحدة تُنفَق على الأرجح في الأبحاث السرية بتلك المنشآت المزعومة. و”الميزانية السوداء” هي إنفاق عسكري سري، ووفقاً لتقارير عدة، يُقدَّر بأنَّه يتراوح بين 50 و80 مليار دولار.
وفي النهاية، لم تتوقف أو حتى تتباطأ مشاهدات الأجسام الطائرة الغامضة في الولايات المتحدة. واعترفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مؤخراً بأنَّ اللقطات التي صوَّرها سلاح الجو لمركبات فضائية غير محددةٍ لقطات حقيقية، وصاغت البحرية الأميركية إرشادات جديدة بشأن كيفية الإبلاغ عن هذه الظواهر.
بالنسبة لسكان دولسي، لا جديد في ذلك.
فقال جيرالدين جوليان، الذي ادَّعى رؤية أجسام طائرة غامضة منذ الستينيات: “ستخبرك قرية دولسي، برمَّتها، مهما كان الشخص الذي تريد الحديث إليه، بما رأته. هذه ليست مجرد حكايات خيالية؛ بل كل الأمور حقيقية، وأنا أصدّق كل قصة منها أيضاً، لأنَّني رأيتُها بنفسي”.