في الجمهوريات التي تحترم شعوبها، غالباً ما يتابع الرأي العام محاسبة هذا المسؤول أو ذاك لأدق التفاصيل، وأحياناً التافهة منها بالنسبة لشعوبنا، أو يبادر المسؤول نفسه إلى الاستقالة على تقصير أرتكبه بدون قصد في معظم الأحيان.
آخر الأسماء المجليّة في هذا المضمار، المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل التي وصفها العديد من الكتّاب العالميين بأنها: “أعظم سياسيّة عرفها العالم”، فهي بعد ترك منصبها كرئيسة للحزب “المسيحي الديمقراطي” بعد ثمانية عشر عاماً، تستعد هذه السنة لإفساح المجال في مركز المستشارية، وهي في سن السابعة والستين فقط لاغير. مع ملاحظة مهمة تقول أنه “لم يسجل ضدها اية تجاوزات خلال فترة توليها مراكز الشأن العام”، بعكس الذين يتشبثون بمواقعهم في بلادنا حتى الرمق الأخير ويقترفون الموبقات بالجملة والمفرق!
يُسجّل لها أنها لم تعين أيا من أقاربها في منصب حكومي، فهل هذا ما يحصل في بلادنا منذ الاستقلال وحتى الساعة حين يتم إرجاء تأليف الحكومات أشهراً عدة من أجل إبن او صهر أو حفيد أو قريب؟
ويُسجّل لها أنها لم تحارب من سبقوها. فهل هذا ما يحصل في بلادنا، أم أن أولويات المتولي لسلطة أن “يقبع” من سبقه من جذوره؟
يسجّل لها أنها لم تغير خزانة ملابسها أبدًا، وعندما سئلت في مؤتمر صحفي: “يلاحظ أنك ترتدي نفس البدلة، أليس لديك أخرى؟ فأجابت: “أنا موظفة حكومية ولست عارضة أزياء”! وأنها لم تغرها الموضة والأضواء ولم تشتر العقارات والسيارات واليخوت والطائرات الخاصة، وهنا لا حاجة لللتذكير بما يرتكبه المسؤولون في بلادنا في هذه المجالات.
وفي مؤتمر صحفي آخر سئلت: هل لديك خادمات ينظفن منزلك ويحضّرن وجباتك؟ فكانت إجابتها: ليس لديّ خدم ولا أحتاجهم، أنا وزوجي نقوم بهذا العمل في المنزل كل يوم! فكم من خدم ورجال أمن يقدمون الخدمات لحكام بلادنا؟
ويسجّل لها أنها وزوجها كانا يشغلان الغسالة ليلاً حين لا يوجد ضغط على الكهرباء. والسؤال لمسؤولينا كم يصرفون من الكهرباء بدون أن يدفعوا قرشاً واحداً!
ويسجّل لها أنها تسكن في شقة عادية كأي مواطن آخر، وعاشت فيها قبل انتخابها في أعلى مركز حكومي. ونقارن ذلك بالقصور والمنازل الفخمة جداً التي يقطنها المسؤولون في لبنان!
فلو اعتمدنا اسلوب المحاسبة في بلادنا على الأقل منذ ما بعد إتفاق الطائف وحتى اليوم لما وصلت بلادنا الى القعر الذي آلت اليه، وجرّت مواطنيها إلى الفقر وربما الجوع. فهل سيتم التصفيق لست دقائق متواصلة في مختلف أرجاء البلاد للمسؤولين عندنا عندما يغادرون مواقعهم كما حصل لميركل أم أنهم لن يصلوا إلى “زنارها” في هذا السياق؟
ميركل تركت مهماتها والشعب الألماني في أفضل حال، وبلادها يشكل أكبر إقتصاد في أوروبا، فهل هذا ما سيكون عليه اللبنانيون ساعة يترك حكامنا مواقعهم؟.