تترقب أوساط سياسية ودبلوماسية وأمنية في بيروت التطورات اللبنانية بقلق شديد في ظل التخوف من تدهور
الأوضاع إبتداء من شهر حزيران، وذلك بسبب رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية، الذي سيؤدي إلى إرتفاع الأسعار بشكل جنوني، وقد يسبب تطورات أمنية واجتماعية خطيرة، ولا سيما في ظل الفشل المستمر في تشكيل حكومة
جديدة.
وعلى ضوء هذه المخاوف، بدأت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية دراسة الإحتمالات المتوقعة والإستعداد لكل الخيارات على صعيد التعامل مع التحركات الشعبية ولجوء المحتجين إلى العنف. في حين تحركت العديد من البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية في بيروت من أجل لقاء قيادة الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة الأمنية، سواء لبحث حاجات هذه الأجهزة وكيفية تلبيتها، أو للتحذير من المخاطر المتوقعة.
وفي ظل المخاوف والتوترات فإن معظم البعثات الدبلوماسية الأجنبية والعربية العاملة في بيروت تتابع التطورات الجارية وتبحث عن حلول ممكنة، ولا سيما عبر التركيز على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، أو توفير ما يمكن من مساعدات إنسانية لمنع الإنهيار الشامل.
ويقول مصدر متابع إن جهات دبلوماسية في بيروت تتداول سيناريوهات عديدة للمرحلة المقبلة:
- الأول: تصاعد الصراعات الداخلية بين مختلف الأطراف، على غرار تداعيات الإشتباك القضائي ـ الأمني في ملف "شركة مكتف للصيرفة"، مما يعني المزيد من الإنقسامات والتوتّرات.
- الثاني: عودة التحركات الشعبية إلى مختلف المناطق اللبنانية إحتجاجاً على رفع الدعم وغلاء الأسعار وعدم توفر العديد من السلع، دافعة البلاد إلى المزيد من المخاطر، في ظل صعوبة سيطرة القوى الأمنية والعسكرية على الأوضاع.
وقد نشهد عودة قطع الطرقات مع ما سيؤدي إليه من إحتكاكات ونزاعات بين قوى سياسية وحزبية تصاعدت لهجة الخطاب السياسي بينها.
-الثالث: تعرض المؤسسات العسكرية والأمنية لمخاطر عديدة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمالية وعدم القدرة على القيام بمهماتها. فتضطر إلى الإنسحاب نحو الثكنات للحفاظ على وحدتها وحاجاتها بالحد الأدنى، أو ينتقل الإنقسام إلى داخل هذه المؤسسات وتعود الألوية الطائفية والمذهبية (مع أن هذا لإلحتمال ضعيف، بحسب المصادر الدبلوماسية) ، أو تنهار وتترك الثكنات والمواقع بسبب عدم قدرة الجنود والعناصر على الإلتحاق بالثكنات نظراً إلى الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة، فيتعزز خيار ترك الخدمة والتحاق العناصر بمناطقهم وقواها الحزبية.
- الرابع: بروز ما يمكن تسميته بـ"الفيدرالية المجتمعية والاقتصادية والأمنية"، بحيث يعمد كل طرف سياسي وحزبي على ترتيب أوضاع مناطقه وتوفير الحاجات الأساسية من مواد غذائية ومحروقات وكهرباء، إضافة إلى ضبط الأوضاع الأمنية المجتمعية بالتعاون مع البلديات والعناصر الحزبية، وقد بدأنا نشهد ذلك في بعض المناطق.
- الخامس: حصول تطور سياسي أو عسكري غير تقليدي يُحدث صدمة قوية يدفع الجميع إلى العودة إلى الحوار وتشكيل حكومة جديدة وبدء الحصول على المساعدات الخارجية لإنقاذ الوضع، على الرغم من أن كل المؤشرات الحالية لا تشير إلى ذلك.
من ناحية أخرى تفيد مصادر عسكرية في اليرزة أن قائد الجيش العماد جوزف عون عون يشعر بالأسف حيال التجاذب الداخلي في شأن مسألة الحدود البحرية، خصوصاً أن العدو الإسرائيلي سيحاول الإستفادة من هذا التجاذب لتحسين موقعه التفاوضي،
ما يستدعي تحصين الموقف اللبناني سياسياً وقانونياً في المفاوضات غير المباشرة.
وتبعاً لتوضيحات عون، فإن الجيش استند في طرح الخط 29 الى حجج قانونية دامغة، تثبت حق لبنان في إضافة 1430 كلم مربعاً الى المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة، أي أن نحو ثالثة أرباع حقل كاريش يجب أن تعود إلى السيادة اللبنانية. و ُعلم أن عون يتصرف في هذا الملف على قاعدة أن الجيش لا شأن له في السجال السياسي والدستوري حول توقيع المرسوم، وكل ما يهمه البت في هذا المرسوم وتسجيله في الأمم المتحدة لتعزيز الوفد المفاوض وتقوية أوراقه.
وما يخشاه عون، أن التأخير في حسم وضع المرسوم قد يسمح للعدو الإسرائيلي لاحقاً بفرض أمر واقع في المنطقة المتنازع عليها، بحيث أنه يصبح بمقدوره أن يتصرف بها، إذا سبق الدولة اللبنانية الى الحفر فيها، قبل أن تكون قد أنجزت ما يتوجب عليها قانوناً لإثبات ملكيتها لتلك المساحة الإضافية.