قد يكون الدفاع المستميت من قبل بعض اللبنانيين عن بقاء النازحين السوريين في لبنان، من اكثر الامور استفزازاً للعديد من المتابعين والناشطين السياسيين.
بحيث يمكن تفهّم دعم بعض السوريين الذين يتلقون الوعود بالتوطين او اعادة التوطين لفكرة بقاء النازحين في لبنان، لكن المستغرب هو موقف اللبنانيين المدافعين عن بقاء النازحين على الرغم من معاناة هؤلاء اللبنانيين من الوضع الاقتصادي الخانق.
اما مناسبة الحديث عن هذا الموضوع فهو قيام مؤيدي بقاء النازحين السوريين في لبنان منذ فترة قصيرة، بافتتاح غرفة نقاش على تطبيق كلوب هاوس لتفنيد الاسباب التي يرون بموجبها انه لا يمكن للاجئ السوري في لبنان العودة الى سوريا، وطرحوا ما يعتبرونه مخاوف تبرر لا بل تفرض بحساباتهم بقاء النازح السوري في لبنان. ويمكن تلخيص ابرز حججهم على الشكل التالي:
١- يدّعي مؤيدو بقاء النازحين في لبنان ان بشار الاسد سيعدم اللاجئين فور دخولهم الاراضي السورية. ويتعامل هؤلاء مع هذه الكذبة كحقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش، على الرغم من الوقائع الدامغة التي تدحض مزاعهم.
فلو كان لهذه الرواية حتى شك باحتماليتها لما عمدت دول اوروبية كالدنمارك الى ابعاد اللاجئين السوريين لديها واعادتهم الى وطنهم.
ثم من المضحك تناسي المراقبة الدولية على سوريا والتي لو وقع حادث من هذا القبيل خاصةً مع عودة عشرات آلآف السوريين الى بلدهم، لضجّ الخبر في وسائل الاعلام والصحف العالمية ولتنطحت ربما هوليوود لانتاج الافلام عن الواقعة.
واكثر من ذلك، يتناسى مؤيدو النزوح في لبنان ان معظم النازحين في بلدنا يعبرون الحدود بشكل دوري عبر معابر غير شرعية لتفقد اهلهم وعقاراتهم ولاتمام معاملات رسمية في سوريا ويعودون الى لبنان حيث يقيمون مستفيدين من الدعم المادي السخيّ الذي يتلقونه من الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
٢- يحاجج مؤيدو بقاء النازحين في لبنان الا تأثير للنزوح على الوضع الاقتصادي والا دخل للنزوح بالازمة الحالية او ان تأثيره ضعيف ويتهمون الداعين للعودة الآمنة للنازحين انهم يضخمون اعداد النازحين.
ويتجاهل المؤيدون ان نسبة النازحين تقارب ال ٣٠% من سكان لبنان وانهم ينافسونهم لا فقط على فرص العمل انما ايضاً على البنى التحتية غير القادرة على استيعاب الزيادة الضخمة في السكان والاخطر من ذلك فإن النازح ينافس اللبناني على المواد المدعومة بشكل اصبح يهدد السلم الاهلي، وما الاشكالات التي وقعت مؤخراً في المتاجر على البضائع المدعومة الا دليلاً على المنافسة التي يعاني منها اللبناني الذي لا يجد اصلاً على عكس النازح جمعيات ومنظمات دولية وغير حكومية لتدعمه بالمال والتعليم والصحة.
ناهيكم عن استهلاك النازح لحوالى ثلث انتاج الكهرباء ما يحرم اللبناني من ٥ ساعات تغذية اضافية واستهلاكهم الدواء المفقود اصلاً والوقود الذي يصبح شيئًا فشيئًا سلعةً نادرة وكذلك الخبز المدعوم.
٣- يعتبر مؤيدو بقاء النازحين ان النازحين يعانون ازمة معيشية خانقة وهم مضطرون رغم ذلك للبقاء في لبنان لاسباب امنية، متناسين واقع ان ٩٠ % من الاراضي السورية اصبحت آمنة ومتعامين عن ان الازمة الاقتصادية دفعت اكثر من نصف العائلات اللبنانية تحت خط الفقر وان هذه العائلات تفتقد للدعم وللتقديمات واصبحت مهددة بأمنها الغذائي في حين ان عائلات النازحين السوريين تتلقى مبالغ مالية قد تصل الى ٣٠٠ دولار اميركي بالاضافة الى الخدمات الصحية والتعليم المجاني من دون نسيان انهم لا يدفعون ضرائب.
والملفت ان العديد من العائلات السورية تحوّل الاموال التي تتلقاها الى وطنها من دون ان تسهم هذه الاموال في الدورة الاقتصادية حيث يقيمون.
٤- اخيراً كان من اللافت في النقاشات ربط العديد من المؤيدين لبقاء النازحين عودة السوريين الى بلدهم بخروج حزب الله من سوريا ويحمّلون ايضا الحزب مسؤولية تهجيرهم.
والمستغرب ان هؤلاء انفسهم هم من مدّعي سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية فكيف بحسب منطقهم يصلح ان يهرب شخص من حزبٍ ما فيلجأ الى معقل هذا الحزب؟
ان كل ما سبق، يؤكد ان النزوح السوري في لبنان ليس سوى ورقة سياسية بيد الاطراف الاقليمية والدولية للضغط على سوريا ولكن على حساب لبنان.
والمحزن في الامر هو وجود لبنانيين يبدّون مصالح الجميع على مصالح وطنهم. وهذا الامر لا يمكنهم اخفاءه بعد الآن مهما حاولوا ان يلبسوا موقفهم قناع حقوق الانسان وغيره من الشعارات الانسانية البعيدين عنها كل البعد.
فلا احد من اللبنانيين يرضى ان يكون هناك خطر على احد من العائدين ولو كان هناك من خطر لما عمدت دول اوروبية عريقة الى البدء بترحيل اللاجئين.
حتى في المانيا التي تعتبر من اكثر الدول استقبالاً للاجئين والمهاجرين، تخبر الاعلامية راشيل كرم كيف استغرب الالمان الذين قابلتهم اثناء زيارتها لالمانيا سؤالها لهم عما اذا كانوا يقبلون ان يصبح ثلث سكان المانيا لاجئين وتضيف انهم ضحكوا وقالوا لها ان هذا امرٌ غير طبيعي ومستحيل الحدوث ولا يتحمله احد.
في الختام، نسأل اولئك الذين ارتضوا بيع وطنهم عن الثمن الذي وُعدوا به جراء موقفهم؟
انتم منافقون لانكم لا تبالون بحقوق الانسان ولا بالنازحين الذين تعتبر العودة الى ارضهم وبيوتهم افضل حلّ يحفظ كرامتهم وحقوقهم.
كما انكم تدركون انكم مجرد ادوات مأجورة في لعبة سياسية دمرت وطننا بعدما دمرت سوريا.
فهل راتب ببضعة آلاف من الدولارات من المنظمات غير الحكومية المشبوهة يستحق فعلاً ان تبيعوا من اجله اهلكم وشعبكم ووطنكم؟