السبب المباشر لزيارة البطريرك بشارة الراعي الى قصر بعبدا هو التدهور المفاجئ في العلاقات بين السعودية ولبنان، في ضوء القرار السعودي بمنع دخول ومرور المنتجات الزراعية الى أراضيها وغيرها، بعد اكتشاف عملية تهريب مخدرات في شاحنات محملة بالرمان. هذا التطور أثار إستياءً وقلقاً لدى البطريرك الراعي الذي بادر الى الإتصال بالسفير السعودي وليد البخاري الموجود في الرياض لإبلاغه موقفا مستنكرا لما جرى، ومؤكدا على حسن العلاقات مع السعودية، ومناشدا العودة عن هذا القرار الذي يلحق أفدح الضرر بالقطاع الزراعي، وفي هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد. وقد ُعلم أن البحث بين البطريرك الراعي والرئيس عون تركز بشكل خاص على هذا الموضوع الذي طُرح من
كل جوانبه، بدءا من وضع الحدود السائبة وعمليات التهريب من خلالها، وصولاً الى موضوع العلاقات مع السعودية...
وبدا واضحا أن الراعي إختار التوقيت المناسب لزيارته بعبدا مستبقاً الإجتماع الذي كان مقرراً في القصر بدعوة من عون
من أجل بحث موضوع التهريب الى الخليج، وذلك من أجل الضغط على رئيس الجمهورية للتصرف من أجل سمعة البلد
والمزارع وإعادة وصل ما انقطع من العلاقات بين لبنان والسعودية.
السبب الثاني، هو إرتفاع منسوب التوتر السياسي وتكرار الإشكالات بين بكركي وبعبدا، وآخرها المتصلة بواقعة عوكر (مداهمة القاضية غادة عون لشركة مكتف) ، والموقف اللافت الذي أخذه الراعي "المذهول" في توجيه إنتقاد لاذع للطريقة التي تصرفت بها القاضية عون ولا تتناسب مع "الأصول وحضارة القضاء"... وقبل ذلك، كان الموقف الذي ربط فيه الراعي بين الحكومة والتدقيق الجنائي قائلاً ما معناه إن لا تدقيق جنائي قبل تشكيل الحكومة...
زيارة الراعي الى بعبدا كانت سبقتها زيارة للنائب جبران باسيل الى بكركي لم تتوصل الى تفكيك كل العقد والألغام،
وإن أدت الى ترطيب الأجواء والحد من مساوئ الحملة التي تعرض لها البطريرك الماروني عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لا سيما من قبل مناصري التيار الوطني الحر على خلفية الموقف من القاضية عون. وهذا الملف "القضائي" كان حاضرا في لقاء بعبدا، حيث حرص الراعي على توضيح المقصود بكلامه والمواقف التي صدرت عنه، وفهمها البعض على أنها تصب في مصلحة المصارف وضد القاضية عون، مجددا التأكيد أنه لم يتهم ولم يبرئ أحدا، إنما تحدث عن المؤسسة المستهدفة، أي الجسم القضائي ككل، وأنه أسف لكون قاضية "عم تتبهدل" على الطريق، مشددا على أهمية هيبة القضاء، والأساس بالنسبة له هو حماية القضاء. كما شدد الراعي على ضرورة ألا يكون هناك فراغ في مجلس القضاء الأعلى الذي تنتهي ولايته قريباً.
اللافت هذه المرة أن الملف الحكومي لم يكن أساسياً. فلا البطريرك حمل معه مبادرة ومقترحات جديدة، ولا الرئيس
بادر الى فتح الموضوع وكان لديه جديد...
وخلافاً للسابق حيث خرج البطريرك الى الإعلام متحدثاً عن ضرورة تأليف حكومة يبدأ بلقاء وجداني وصريح بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، مطالباً بحكومة إختصاصيين من دون ثلث معطل، لوحظ بالأمس عدم تماديه بالتصريح بالشأن الحكومي بل قال كلاماً مقتضباً، لم يضمنه عقد لقاء بين الرئيسين وكأنه استنتج إستحالة عقد مثل هذا اللقاء مجددا. أيضا لم يتحدث عن مواصفات الحكومة وحجمها وكأنه اكتشف أن التعقيدات تجعل ولادة الحكومة مهمة مستحيلة.
لوحظ أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وفي مداولات الإجتماع الموسع في قصر بعبدا، "غمز من قناة السعودية"، وتحدث عن شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية، مشددا على ضرورة التعاون الأمني لأن منع
تصدير الخضراوات لن يحل مشكلة المخدرات. وقال إن "السعودية وكل دول الخليج يعرفون جيدا أن التوقف عن إستيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقاً مختلفة، وأن التعاون بيننا يساعد على ضبط هذه الشبكات"...
برز البيان التحذيري الذي أصدره أمس رؤساء الحكومة السابقون فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام
وأكدوا فيه أن "اللبنانيين لا يستطيعون أن يصمتوا الى ما لل نهاية على عرقلة تشكيل الحكومة، ووقف التشكيلات القضائية، وتشجيع القضاة المتحزبين على خرق القانون وعلى ترك الحدود سائبة، والإنغماس في سياسة المحاور التي أحكمت الحصار على لبنان، وحالت دون إجراء الإصلاحات، بما أدى الى تشويه السمعة المالية للدولة اللبنانية والى انهيار
للمؤسسات العامة والخاصة وللبنان ككل، ولإطلاق الفوضى الشارعية، والتعرض للجيش والأجهزة الأمنية". وحذروا من
"أن إستمرار الغلو في هذا النهج المدمر يؤدي الى اندثار الدولة التي هي الضمان الوحيد لجميع المواطنين دون تفرقة".