ريما الغزال من اللجنة المركزية للمناصرين و العلاقات العامة
"ذكرى فظائع التهجير و أهوال الإبادة،
هي أيضاً ذكرى الشجاعة و المقاومة والمثابرة،
لا بد منها ان تذكرنا بولائنا و وفائنا للبنان الحاضن، وطننا الأخير."
و هي أيضاً لحظة تأمل ، لعدد كبير من اللبنانيين، وقوفاً على الأوضاع الراهنة ، خاشياً القدر المُحدّق....
الهجرة ... و كأن التاريخ قد يعيد نفسه...
و في مناسبة ذكرى الإبادة الأرمنية الأليمة ، وجّهت اللجنة المركزية للمناصرين والعلاقات العامة ، بعض الأسئلة الى النائب هاكوب بقرادونيان ، أمين عام حزب الطاشناق ، بعد مرور أكثر من ٤٠ عام على إعتناقه الحياة السياسية و الحزبية، حيث تسلّق سلّم القيادة خطوةً خطوة مروراً بكل من قطاع الشباب الى قطاع الطلاب ، الى المكتب السياسي، الى الجنة المركزية، لمسؤول الإعلام، ليصبح أول من جمع بين منصب النيابة و الأمانة العامة للحزب ، رغم التحذير المبدئي من الجمع بينهما. أمين لقضية أجداده التي هزت العالم والمشرق العربي ،إستمدّ منها قوّة مبادئه و وضوح رؤيته الشاملة لسياسة المنطقة، ليسكُبها دفاعاً عن مصالح وطنه لبنان دون سواه .
وتعقيباً على ذالك كان الحوار التالي:
١-ما العبرة التي يمكن استنتاجها من خبرة الأرمن الأليمة، إختيارهم للبنان ، و التعايش فيه عبر الأجيال ؟
-مأساة الاضطهاد، الإبادة، التهجير، والتجويع ،
هي مدرسة للشجاعة و المثابرة، و مسألة بقاء للنّاجين من شعب شرق الأناضول، الموطن الأساسي للأرمن بولاياتها الستة، شعب وجد نفسه مشتّت داخل صحراء سوريا والعراق و فلسطين و لبنان ، ممهور بهوية يرفعها بكل فخر ، محافظًا من خلالها على ثقافته ، مدركاً ضرورة الإستمرار ، مما دفعه للمثابرة في المجال الحرفي و الصناعي كما و الثقافي و الفني و الموسيقي كمدخّاً مفيداً للعجلة الاقتصادية في الوطن الحاضن لبنان الذي إختاره أجدادنا ، و خير ما فعل، لتميّزه بالتعددية و لفرض دستوره على الدولة ان تضمن إحترام الأحوال الشخصية و الدينية و مصالح الأشخاص لكل طائفة دينية.
من الطبيعي أن يواجه أجدادنا، لدى وصولهم ، صعوبة الانخراط في المجتمع المحلي خاصة و أن اللغة كانت تشكّل عائق ، كما و أن كل مهجَّر يأتي بفكرة أن التهجير مؤقت و سوف يعود من بعده الى دياره، و لكن أكيد على مر السنين حصل إندماجاً تدريجياً ليصبح معدّل الزواج المختلط لدى الأرمن اليوم، بعد ثلاثة أجيال، يوازي ال ٥٠٪، و شعور الإنتماء الى لبنان ١٠٠٪، مع الحفاظ قدر الإمكان على غنى تقاليدنا و لغتنا و ثقافتنا كي "لا ننسى" و لكي يبقى هذا الرابط كما و رابط الدم و "جمجمات أجدادنا" ،نسيج حيّ فينا يذكرنا بضرورة العمل و التطوّر و المثابرة الدائمة في كل الحقول .
المدرسة و التعليم مقدس عند الأرمن بحيث يأتي البحث عن العلم قبل البحث عن "السقف" و البيت.
الأرمني اللبناني لم يمد يده يوماً، لا بل تعلّم و عمِل و شارك في إزدهار لبنان صناعياً و ثقافياً.
و لا بد ، انه نتج عن المنفعة المتبادلة، تمكين للقاعدة اللبنانية لحزب الطاشناق السياسية لتصبح الأقوى عالمياً الى جانب القاعدة الأمريركية له، بحيث النائب الأرمني اللبناني يضحى معني بكافة الشؤون اللبنانية و ليس فقط بتلك التي تتعلق بالأرمن مثلما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، الأمر الذي يجعل من الطاشناق عرضة إستهداف كسائر الأحزاب اللبنانية، مع العلم انه لطالما لعب دور "الجسر" بين كل الأطراف اللبنانية.
*علمتنا أيضاً مأساة الإضطهاد، أن نسعى الى العيش بالسلام التام مع البيئة الحاضنة وبالتالي الإبتعاد عن الحروب التي بنظرنا لا تحل المشاكل في لبنان، و أن نتبنّى نظرية الحياد ، و ذالك أقلّه، ٥٠ سنة قبل إعادة تداولها اليوم على لسان البعض، مع العلم أن الحياد لا يعني عدم الدفاع عن الوطن عندما يقتضيه الأمر! لأن -مأساة الإضطهاد علّمتنا أيضاً الوفاء و الولاء :
*علّمتنا الوفاء لأجدادنا الشهداء و الوفاء للأرض الحاضنة ، للوطن لبنان و للقيادة التي تعطي.
ولفتني كلام الرئيس ميشال عون بمناسبة فوزنا بإنتخابات ٢٠٠٥ حينما قال لنا : "أنا لا أتغيّر" . و فعلاً، لم تتغيّر مواقفه يوماً تجاه الأرمن، خير دليل على أنه ليس متقلّب الموقف و خير دليل عن عيّنة منطقه الفكري و طريقة تعامله مع الآخرين و القضايا ، لأن الشخص الذي لا يبدل مواقفه تجاه شخص لا يبدلها تجاه أحد ولا تجاه مسألة و ملفّات مصيرية و لا تجاه قضية وطنية.
*علّمتنا الولاء للبنانيّتنا دون سواها!
فالتباهي بالتحالف مع دولة أجنبية و الولاء لحليف ما ، هما بمثابة خيانة عظمى. و أصبح من الضروري الحذر أيضاً من بعض ال NGO ، التي تشتري الناس و ضمائرهم ساعية من خلال نشاطاتها الإجتماعية تأمين مصالح لدول أخرى، خاصةً بعد إنفجار المرفء في ٤ آب.
٢-هل ترى و تخشى موجة الهجرة الحاصلة و التهجير الذي يقال أنه يهدد لبنان و اللبنانيين؟ و كأن التاريخ يعيد نفسه؟ ما رأيك؟
نشهد اليوم إنزال عنيف و غير مسبوق لبروباغندا propaganda مخيفة من قبل أغلبية الإعلام الذي يعمل على زرع الهلع و اليأس و التفكير السلبي لتدمير معنويات الشعب و حثه على الهجرة عملاً و تنفيذاً ل agenda خارجية.
لا شك أن هناك واقع أليم للفقر المتزايد ولكن لا تعتقدوا يوماً أن لبنان المدعو "سويسرا الشرق" لم يعرف الفقر . لطالما كان الفقر الفاحش سائد في المجتمع و كنا دائماً نجول في الأحياء الفقيرة و نساعد العائلات المحتاجة قدر الإمكان و بعيداً عن عدسات الإعلام . لطالما ساعد اللبناني أخيه ،و ما أكثرهم الذين حُرموا على مدار السنين من معمول العيد و الإفطارات الإحتفالية و "الفتوش" في رمضان. أين كانت ال NGO و البرامج الإعلامية المواكبة لها ، حينذاك؟
إحذروا الإعلام ، إنه سلاح قوي و خطير.
لبنان ليس فندق نستفيد من الإقامة المؤقتة فيه طالما هي ممتعة و نوضب أمتعتنا حالما تسوء الأوضاع .
هذه المرحلة العصيبة ليست أول مرة يمر فيها لبنان و لن تدوم . ولكنها المرة الأولى التي تتدخل فيها ال social media بهذه الشراسة لخدمة المخطط التركي/الاسرائيلي في متابعة ما شرعت به السلطنة العثمانية في القضاء على مسحيّي الشرق بشكل عام و على الأرمن منهم بشكل خاص حسب تصريحات إيردوغان الشهيرة، كما والقضاء على طوائف أخرى تنفيذاً لطموحات إستراتيجية في شرقنا العربي و الإستيلاء على ثرواته ، و ذالك ، عبر سلاح و أداة الحصار الإقتصادي و المالي والخنق
و التجويع.
-كأن التاريخ يعيد نفسه؟
نعم أخشى أن يكون التاريخ يعيد نفسه أو بالأحرى أن يكمل سياسة التخلّص من بعض الشعوب، و التهجير بطرق حديثة كبديل للإبادة المباشرة.
-و ما رأيك؟
لبنان وطننا قدروه ، هو بحاجة لنا و لا تهاجروه . و لكن إذا لا بد من الهجرة بسب الجوع، لا تنسوه و لا هويتكم، و تذكروا امداده بالمساعادة على كافة الأصعدة لحين العودة إليه . لذالك لا تقدموا وطنكم على طبق من فضة للطامع فيه ولا تبيعوا أرزاققم له.
٣-ما دور الهجرة في تقدير الوطن و العمل لأجله ؟ خاصة من خلال تجربة الأرمن المريرة و المؤلمة؟
من خلال تجربة أجدادنا الأليمة تعلمنا أهمّية التعلّق بالوطن حين خسرنا إستقلالنا و أرضنا و وطننا الأم لأننا إتكلنا على السياسات والضغوطات الخارجية.
إعلموا أن لا أحد يريد مصلحتنا إذا لا نجدها نحن و نعمل لأجلها و نفرضها نحن أولا!
وكل مرة نتّكل فيها على الخارج نخسر.
نحن الأرمن اللبنانيون واكبنا وطننا لبنان في السراء و الضراء ، لم نهاجره و لن نهاجره لأن الذي دفعت عائلته دم ربما يتعلّق بنعمة الوطن أكثر من غيره ، ولكن يا شعب لبنان ، لا تنتظروا أن تذوقوا طعم التهجير و الهجرة لتعرفوا قيمة وطنكم ، و أنتم مدركين تماماً ثرواته العديدة، في ظل ما نشهده من المعارك العالمية للإستيلاء عليه .
طبعاً، أسباب إضطهاد و تهجير و إبادة أجدادنا مختلفة من تلك السائدة حالياً كالأزمة الإقتصادية المالية و الجوع ، و لكن النتيجة هي ذاتها : التهجير .
تعلموا من تجربتنا دون الإضطرار الى تذوّق هذا الكأس المر . الأزمة الإقتصادية تطال حالياً العالم أجمع، فلماذا البحث عن وطن جديد و ترك وطننا للغير؟
الأزمات مؤقته، سوف تزول . و لكن إذا هاجرتو لبنان، وبكميات كبيرة ، ستخسرون وطنكم ، لذالك المقاومة ضرورية، ولا تخالوا لحظة أن الذي سيحل محلكم سوف يحافظ عليه لكم و من أجلكم .
٤-ما دور الأحزاب أمام موجة الهجرة ؟
على الأحزاب أن يرتكز دورها على زرع الأمل، على الإرشاد للصبر و العمل على التوعية و التشديد على الوطنية.
في التوعية:
ذكرى ٢٤ نيسان ليست مجرد تاريخ على رزنامة السَنة، نصلّي و نبكي يومه، و نعود الى الحياة الطبيعية في اليوم التالي لحين حلول موعده السنة المقبلة.
علينا ان نتذكر "محطة" و "عبرة " ٢٤ نيسان كل يوم ،
و نتذكر من خلال فظاعة الجريمة ضد الإنسانية، مدى الإجرام الذي ارتكبته الدولة العثمانية ( ضد المسيحيين و الشيعة و الدروز و السورية و الأكراد و السريان و العراقية و المصرية...)، و الخطر المحدّق من التكرار على يد ابنتها تركيا بمعاونة حلفائها، و بأساليب مختلفة.
و المخطط للضغط على لبنان للإستلاء عليه و ثرواته ، هو قيد التنفيذ و علينا مقاومته.
ومع الأسف الموقف اللبناني من الموضوع التركي و تدخله بالشؤون اللبنانية لا يزال غامض.
لبنان بحاجة لنا و على الأحزاب الإستمرار بتوعية المجتمع حول هذا الموضوع.
التوعية حول واقعة التعددية المسيحية المفككة و المستهدفة لإضعافها من خلال المساس بالرموز المسيحية دون سواها.
و العمل على إيجاد الحلول اصبح ضرورياً و مسألة بقاء ! لا تقبلوا أن يتبنى "الغير " مبادرة لتوحيد الشارع المسيحي: على المسيحي أن يوحد شارعه و يكف عن التهجم على أخيه.
الإرشاد على الصبر:
توعية المجتمع بان لبنان مساحة للخلافات حول ثرواته المختلفة و أن الحلول لا تحل بين الليلة و ضحاها. علينا المقاومة و المثابرة و التحلي بالصبر لتحقيق أهدافنا.
تعزيز روح الوطنية
تحميل كل مواطن ، مقيم كان أو منتشر، مسؤولية وطنه من خلال وفائه و ولائه له دون سواه ، و المحافظة على هويته الفريدة و المميزة. و تشجيع "المنتشرون" اللبنانيون على معاونة وطنهم و اسناده بكافة المساعدات.
زرع الأمل:
من خلال مساعدة، و لا سيما الشباب، بمقوّمات حياتهم الأساسية :
*تأمين مساكن شعبية للشباب الذين يريدون الزواج.
و طلب معاونة الأوقاف الدينية بهذا الخصوص لا سيما في التسهيلات العقارية. و كان الأرمن أوّل من بنى مساكن شعبية سنة ١٩٦٩ في الفنار.
*تأمين الشغل و المشاغل و العدة و أداة للعمل و مساعدة الناس على جني المال و عدم الإتّكال فقط على التبرعات المالية ال "غير منتجة" non productive.
وإلا لا يمكننا فرض عدم الهجرة على الشباب .
و على القيادات إعطاء المثل في عدم المغادرة و الكف عن الهجومات المتواصلة على الدولة و أدائها لا سيما بتشبيه لبنان بسويسرا الشرق و نَعيِه بأنه لم يعد.