محمد خضير... تمرين سردي: رجل بلا ذكريات
2021-04-27 11:56:01
يملك الجيلُ الأقدم بضعَ بطاقات بريدية (جاهزة للإرسال أو أنها أرسِلت فعلاً على مراحل). بطاقات (البوست كارت) هذه كانت تُعادِل حالةً من الاطمئنان (جواباً على شعور بنقص الأوكسجين وتعريف الهوية) ينبغي لمالكها (أو متلقّيها) الحفاظ على جِدّتها ورونقها التصويري (رمزيتها الأيقونية) أطول مدة ممكنة (الانفعال بما تمثّله من ذكريات) كلما أعاد استعمالها في غرض أدبي (باعتباره كاتب قصة).
نفترض أنّ كاتب القصة تلقّى البطاقات تباعاً على مدى سنين طويلة من مرسلٍ مجهول (بدأ بتعريف هويته هاوياً للمراسلة البريدية التقليدية التقطَ عنوانَ الكاتب من مجلة شهرية). كلّنا (نحن العاطفيين المتماثلين في استعمال الرمز بدل الحقيقة) سيرجع لترتيب البطاقات بحسب تاريخ ورودها. وستلعب المصادفاتُ دوراً عجيباً في مواقيت الارسال. يوم تلقّى الكاتب المفترَض (يكتب بضميره الأول) البطاقةَ الاولى، صادف ذلك تاريخ اجراء عملية استئصال لزائدته الدودية، في شبابه. وحين وصلت بطاقة أخرى بتاريخ صادف إنجابَ أول مولودٍ له، اعتبر الكاتبُ ذلك هدية "سماوية". وهكذا فإنّ تواريخ ورود البطاقات ستؤلف سيرةً تستغرق ثمانين عاماً (آخر بطاقة تلقّاها الكاتب أرِّخت بيوم احتراق مستشفى للعزل الوبائي ببغداد).
يخمّن الكاتبُ القصصيُّ مهنةَ المرسِل الحقيقية مع نفسه (مصوِّراً فوتوغرافياً، دليلاً سياحياً، حارس متحف، ممرّضاً في مستشفى، استاذ تاريخ). وفي مرّة حسِبَ الكاتبُ هويةَ المرسِل (سائقَ قطار، أو فاحصَ تذاكر-
Nk/وكالات