شهد قصر بعبدا في الأشهر الأخيرة إجتماعات متكررة للمجلس الأعلى للدفاع، ولكن الإجتماع الذي انعقد أمس كان مجرد إجتماع أمني برئاسة الرئيس ميشال عون. وهذا الإجتماع لم يتطرق الى الإشتباك القضائي واقتحام النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، لشركة "مكتّف" للصيرفة، بل تناول الإجتماع ردود الفعل الأمنية، لا
سيما ما حصل في محيط منطقة عوكر حيث ُسجل إحتكاك بين أنصارها والقوى الأمنية التي تحركت لفض الإعتصام.
وقالت مصادر مواكبة للإجتماع إن الرئيس عون قارب الموضوع من زاوية الإشكال على الأرض، وليس في
مسبباته، ولم يتطرق إلى ملف القاضية عون بتاتا، إذ حصر حديثه بالتعامل الأمني مع المعتصمين وأجرى مقارنة بين
تعامل القوى الأمنية مع المعتصمين في عوكر بعنف وقسوة، وتعاملها في وقت سابق مع معتصمين آخرين كانوا قد أغلقوا الطرقات في وقت سابق، واعتدوا على أملاك عامة وخاصة، بل أحرقوا مبنى بلدية طرابلس، ومنعوا الناس من السير على الطرقات. وقال عون حسب المصادر، إن هذا لا يجوز أن يتكرر، قبل أن يرد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي قائلاً إن التحرك الأمني تم بسبب الإعتداء على الأملاك الخاصة، وشدد على أن القوى الأمنية تمنع الإعتداء
وتأخذ إجراءات لحماية الأملاك. ولفتت المصادر إلى أن عون أعاد تأكيد إنتقاده للقسوة التي استُخدمت بحق المتظاهرين.
واستهلّ عون الإجتماع بعرض سريع للأوضاع العامة في البلاد والأحداث الأخيرة التي وقعت في منطقة عوكر،
وذكرت الرئاسة اللبنانية أن عون عبّر عن أهمية إحترام حرية التعبير مع المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة وعدم الإعتداء عليها، معتبراً أن المهم هو العودة إلى النظام وتفهّم وجع المواطنين وآلامهم، لا سيما أنهم خسروا أموالهم وودائعهم، وعلى قوى الأمن ضبط الأمن سلمياً وفقاً للأنظمة المرعية الإجراء. وأكد عون أنه طلب من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، قبل أيام من بدء المشكلة يوم الجمعة الفائت، أن "طبّقوا القانون". وتابع الرئيس أن "تصرف
قوى الأمن مع المحيطين لم يكن متوافقاً مع حرية التعبير"، منتقدا قوى الأمن الداخلي بشّد.
لم يرد المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، فأخذ الكلام هنا وزير الداخلية وتوجه إلى الرئيس عون
بالقول: "وردتنا شكوى رسمية من ميشال مكتّف، ونحن من ضمن مسؤولياتنا حفظ الأمن والنظام، ولا نستطيع التقصير
في هذا الجانب، ومن ضمن مسؤولياتنا حماية المؤسسات العامة والخاصة، وحين يكسر طرف ما أبواب مؤسسة خاصة فنحن مجبرون على التحرك كقوى أمنية، وكلنا شاهدنا ما جرى على شاشات التلفزيون". علّق الرئيس عون بـ"إبتسامة" تعني أنه لا يوافق وموحياً أن كلام فهمي، الدقيق عملانياً وقانونياً، لا يناسبه سياسياً.
ولفت فهمي لاحقاً (في حديث صحفي) الى أن فرقة مكافحة الشغب تدخلت بناء على أوامري، لمنع تطور األمور على الأرض نحو األسوأ، وللدفاع عن العناصر الأمنية التي تعرضت للإعتداء. ويقول: "هذه كانت حدود مهمتنا، وهي لم تكن موجهة بالتأكيد ضد القاضية عون ومؤيديها، فنحن كوزارة داخلية وقوى أمن لا علاقة لنا بالتجاذب الحاصل، ولسنا معنيين بالنزاع بين غادة عون وميشال مكتف، اللذين لا أعرف أياً منهما بل ما يهم القضاء حصرا حماية الإنتظام العام ومنع الإعتداء على الأملاك العامة والخاصة". وقلت له: "أنا شخصيا أتحمل مسؤولية هذا القرار، لأن هيبة الدولة على المحك ويجب التصرف".
ويشير فهمي الى أنه قريب على المستوى الشخصي من الرئيس ميشال عون، "لكنني تعلّمت منه، هو تحديدا،
وجوب عدم المسايرة أثناء تأدية الواجب". ويضيف: "عندما كنت ملازماً كان الجنرال عون قائد لوائي، وقد تتلمذت على يديه وتعلمت منه أنه عند الخوض في أي مهّمة يجب تنفيذها بتجّرد، والبقاء على مسافة واحدة من الجميع. هذا ما كان يقوله لنا وهذا ما أفعله حاليا". ويوضح، أن "رئيس الجمهورية كان متفهما لما طرحته خلال الإجتماع الأمني أمس في قصر بعبدا، وأنا سأواصل تطبيق معادلة المواءمة بين حماية اإَلإستقرار الذي لا مساومة عليه وضمان الحريات التي لا تنازل عنها".
الإجتماع الأمني أثار جملة من التساؤلات والإنتقادات لجهة موضوعه وتوقيته وحصره بمعالجة "إشكال أمني"، في
وقت يعج البلد بالمشاكل الاقتصادية والمعيشية والمالية والقضائية الحارقة. وفي حين لم يصدر عن الإجتماع الأمني أي توجهات أو قرارات، بدا أن رئيس الجمهورية يهدف من وراء هذا الإجتماع الى توجيه رسالة مزدوجة في حضور الأجهزة الأمنية، وهي حماية حق التظاهر وإظهار الهدف مما جرى في عوكر، وتفّهم وجع المواطنين، كما عدم التعدي
على الممتلكات العامة والخاصة... إضافة الى التذكير بأن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلّحة.